تصريحان حسنان وقعهما خفيف على الآذان أطلقا خلال موسم الصيف الجاري، أثلجا صدورنا في هذا الجو الملتهب، الأول يتعلق بالخطوط السعودية، ويتحدث عن مشكلات الحجوزات، وأنها بسبب الإقبال الكبير على السفر في فصل الصيف، والثاني أن سبب تكرار انقطاع التيار الكهربائي يعود لشدة الحرارة ورفع معدلات «الاستهلاك الآدمي» من أجهزة الكهرباء. التصريح الأول دعونا نقول إنه دعابة، لأنني لا أعتقد أن «جدوى» الخطوط السعودية وضعت لفصل الشتاء، وأيضاً لا أعتقد أن من أطلق التصريح اللطيف، الذي يعد فيه بإنهاء مشكلة الحجوزات في نهاية شهر آب (أغسطس)، يعي تماماً أن تجربة برنامج جديد للحجز لا يتم في وقت الذروة، بل يجب أن يكون في أضعف الأوقات إقبالاً، لضمان عدم وقوع حالات إرباك مثلما شهدنا، والحديث عن الخطوط السعودية ذو شجون، فنحن نتحدث عن شركة لديها أسطول ضخم من الطائرات، وكانت إلى وقت قريب تحتل الصدارة؛ لكن أين هي الآن؟ ابحثوا عن صدارة مؤخرة الترتيب. نأتي للكهرباء، هذه المعضلة التي لا يبدو أنها في طريقها إلى الحل، فهي تتكرر منذ بضعة أعوام، والوعود على أشدها، بأن الحل مقبل لا محالة، فلا الوعود جاءت ولا تحسنت الحال. قد نفهم أسباب انقطاع الكهرباء في غزة في الأراضي المحتلة، بسبب الحصار، والوقود، وخلافه، وقد نستوعب أن ما حدث في العراق من حرب وفوضى يعد سبباً رئيساً في ما يشهده من تدني مستوى الخدمات بشكل عام وليس الكهرباء فحسب؛ لكنني لم أتقبل أبداً أو أفهم إطلاقاً سبب ما يحدث لدينا من فوضى كهربائية، فأنا أثق في أن شبكة الكهرباء عندما رسمت سياستها، وخططت جغرافية خدماتها، لم توضع للقطب الشمالي أو الجنوبي، ليتفاجأ المسؤولون بموجة حر يحمّلونها أسباب فشلهم في فهم حاجات المنطقة التي يخدمونها. إذاً أين الخلل؟! هل لناصح أن يرشدني لماذا أتحمّل ومن مثلي الرسوم الباهظة لإدخال الكهرباء إلى منازلنا وتسديد الفواتير الشهرية التي تقصم الظهر، وعندما تتجاوز الحرارة ال50 أبحث عن مجمع يؤويني أنا وأطفالي أو لدى أحد الأقارب؟! لا شك في أن الفوضى التي نشهدها استفزت المسؤولين، شأنهم شأن المواطنين، ما دفع بأمير منطقة الجوف الأمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز، إلى تهديد مسؤولي المياه والكهرباء بقطع هاتين الخدمتين عن منزليهما، إذا تكرر انقطاعهما في مدن المنطقة. وأحيي أمير الجوف على هذه البادرة، التي تجسد شعوره بمعاناة مواطنيه، بل وأدعو المناطق الأخرى إلى أن تحذو حذوه، ليشعر المسؤولون أن أداءهم قيد التقييم، وأن مبدأ العقاب هو الوجه الآخر للثواب، بل وأتمنى أن تتوسع رقعة هذه البادرة فيجبر أمناء المناطق ورؤساء البلديات يومياً على المرور في الشوارع المكتظة بالزحام الذي نتج من تخطيطهم الفذ وتنفيذهم، وأن يجولوا على الشوارع المهملة في المناطق التابعة لهم، وأن يشرفوا شخصياً على إصلاح الطرق كافة التي بحاجة إلى صيانة على مدار العام، وليس فقط في الطرق التي يمر بها أمراء المناطق، أو في زيارات خادم الحرمين أو ولي عهده. وبخلاف الأمانات ورؤساء البلديات هناك مصلحة المياه، فأتمنى أن تحول إلى منازلهم المياه المالحة، شأنهم شأن المواطنين، ليشعروا بالتكلسات التي أصابت أمعاءنا، وليلتزموا بالتصريحات التي يتاجرون بها سنوياً منذ أربعة أعوام، بأن المياه العذبة ستصل المنازل في نهاية العام. معاناة جمة يتكبدها المواطن في شتى المجالات؛ لكنه لا يشعر فيها بمشاركة المسؤولين، بل يجد نفسه وحيداً أمام جبال شاهقة تفصله عنهم، ما نشّط لدينا ثقافة المعاريض. إن تهديد أمير الجوف يستحق الثناء والشكر، أما مسؤولو المواسم فنسأل الله أن يصلح حالهم. [email protected]