حذرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان «ديوان المظالم» من خطورة القانون الخاص بها الذي أقره المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه حركة «حماس»، لما يمثله من تهديد خطير لوحدة النظام السياسي والقانوني في فلسطين، فيما اعتبره مركز الميزان لحقوق الانسان وسيلة للنيل من الهيئة ووقف عملها في قطاع غزة. وأعرب حقوقيون في غزة عن خشيتهم من أن يكون إقرار القانون مقدمة للاستيلاء على الهيئة وتسييرها من قبل حركة «حماس»، خصوصاً عندما كثفت وزارة الداخلية هجمتها ضد المنظمات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني. وجاء اقرار القانون بعد شهور على صدور قرار من وزارة الداخلية في الحكومة المقالة بإغلاق مكتب الهيئة في قطاع غزة تراجعت عنه بعد احتجاجات واتصالات. كما جاء القرار في ظل أجواء من المشاحنات مع الهيئة وتوتر في العلاقة مع وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية، وذلك على رغم تأكيد رئيس الوزراء المقال اسماعيل هنية في لقاء مع مسؤولي الهيئة بأنه لن يتم مس عملها أو عرقلته. وعبّرت الهيئة المستقلة في بيان صحافي أمس عن «قلقها البالغ لقيام كتلة التغيير والاصلاح (حماس) في المجلس التشريعي الفلسطيني في قطاع غزة الثلثاء الماضي بإقرار قانون الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بالقراءة الثانية». وكان نواب الكتلة الذين يعقدون جلسات لهم في مدينة غزة بعد استنكاف نواب كتلة «فتح» والكتل البرلمانية الاخرى منذ أكثر من ثلاث سنوات، أقروا القانون بالقراءة الأولى مطلع الشهر الجاري. وحذرت الهيئة في بيان صحافي من «خطورة هذا الإجراء لتجاوزه النصاب القانوني للانعقاد، وما يمثله من تهديد خطير لوحدة النظام السياسي والقانوني في شطري الوطن». ورأت الهيئة، بصفتها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، أن «إقرار القانون بالقراءة الثانية ينضوي على تكريس بالغ الفداحة لحال الانقسام السياسي، نظراً لأنه يمزق كيان الهيئة بصفتها المؤسسة الدستورية الوحيدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي تعمل على رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان وضمان احترام حقوق الإنسان من جانب الجهات الرسمية». وطالبت الهيئة نواب كتلة «حماس» البرلمانية «بالتراجع عن قرارهم بإقرار قانون الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان لافتقاده الصلاحيات القانونية والدستورية، وتركيز الجهود على حماية حقوق الإنسان التي تتعرض للانتهاك بسبب استمرار حال الانقسام السياسي، والعمل على مناقشة قانون الهيئة تحت قبة المجلس التشريعي الملتئم في أجواء الوئام والوحدة الوطنية». كما طالبت «بعدم المس بعمل الهيئة بصفتها الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وعدم الزج بها في التجاذبات السياسية الناجمة عن تكريس حال الانقسام السياسي، باعتبارها المؤسسة الدستورية التي تعمل على مراقبة وحماية حقوق الإنسان في فلسطين باستقلالية وحيادية، حسب المادة 31 من القانون الأساسي المعدل للعام 2003». ودعت الأجسام الحقوقية المحلية والإقليمية الدولية ولجنة الأممالمتحدة للهيئات الوطنية لحقوق الإنسان الى «التحرك الفاعل لضمان عدم المس بعمل الهيئة في قطاع غزة». من جهته، عبّر مركز الميزان لحقوق الإنسان عن قلقه من «إقرار القانون بالقراءة الثانية». ونظر باستغراب الى اهتمام كتلة التغيير والاصلاح بسن قانون الهيئة، ورأى أنه «ليس أمراً عادياً بالنظر لأن إقرار قانون الهيئة ليس أمراً طارئاً، خصوصاً ان الهيئة تعمل منذ تأسيسها من دون قانون». واعتبر أن «الذهاب إلى هذه الخطوة في ظل حال الانقسام السياسي والصراع السائد الذي تم زج القانون في آتونه، يظهر الأمر على أنه وسيلة للنيل من الهيئة ووقف عملها في قطاع غزة». وعبّر عن «تضامنه الكامل» مع الهيئة، داعياً الحكومة في غزة إلى «الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنه أن تعرقل عمل الهيئة المستقلة في قطاع غزة». وطالب «بتحييد التشريعات والقوانين عن واقع الانقسام»، معتبراً أن «أي قانون جديد يصدر عن المجلس التشريعي أو مرسوم رئاسي بقانون إنما يسهم في تعميق حال الانقسام وتكريسها على الواقع القانوني ومن دون نقاش في مدى شرعية وقانونية التشريعات التي تصدر عن الطرفين». وذّكر «بدور الهيئة، خلال الخمس عشرة سنة الماضية من تاريخها في الدفاع عن حقوق المواطن في مواجهة الانتهاكات والتجاوزات التي ترتكب في حقه من الحكومات المتعاقبة». وطالب المركز النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الدكتور أحمد بحر، القيادي في «حماس»، ب «تركيز جهوده على وظيفتي المجلس التشريعي في المراقبة والمحاسبة للحكومة (حماس) والابتعاد عن التشريع في ظل الظروف الراهنة وتفعيل دوره في مراقبة أدائها ومحاسبتها عند وجود خلل أو قصور بما يعزز من احترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة في قطاع غزة، وإرجاء كل مشاريع القوانين لحين إعادة توحيد النظام السياسي وإنهاء الانقسام وإعادة تجديد الشرعيات القانونية والشعبية لمؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية كافة، بدءاً من مؤسسة الرئاسة مروراً بالمجلس التشريعي والبلديات». يذكر أن الهيئة المستقلة أنشئت بمرسوم رئاسي أصدره الرئيس الراحل ياسر عرفات من مقره في تونس عام 1993، أي قبل قيام السلطة الفلسطينية، ثم تم نشره لاحقاً في مجلة «الوقائع الفلسطينية»، قبل أن تباشر العمل فعلياً عام 1995. وعلى رغم تأكيد القانون الأساس الفلسطيني (الدستور الموقت) في مادته الرقم 31 على إنشاء الهيئة وأن تشكيلها ومهامها واختصاصها يحددها قانون خاص يصدر عن المجلس التشريعي، وأن الهيئة ترفع تقاريرها لكل من رئيس السلطة والمجلس التشريعي الفلسطيني، إلا أنه لم يتم سن هذا القانون، الى أن أقره ما يمكن تسميته «المجلس التشريعي الانقسامي». ويتألف قانون الهيئة من 19 مادة تتضمن تعريف الهيئة، وتأسيسها، وأهدافها ومهامها، وإدارتها وموازنتها ومواردها وأحكاماً ختامية وانتقالية. ولن يصبح القانون الجديد نافداً إلا بعد مصادقة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عليه، الأمر الذي لن يتم أبداً قبل انهاء الانقسام. ووفقاً لهذا القانون، ترتبط الهيئة بالمجلس التشريعي وتكون مسؤولة أمامه، ولها شخصية اعتبارية، وتتمتع بالاستقلالية في ممارسة مهامها وأنشطتها واختصاصاتها، وتتكون من مجلس إدارة يضم رئيساً ونائباً للرئيس و13 عضواً من الشخصيات العامة.