كانت مملكة البحرين ولا تزال رائدة في البناء الاقتصادي على أسس متوازنة وسليمة، وتعتبر المملكة في مقدم الدول الخليجية العربية التي تحرص على استهداف المردودات الطويلة الأجل في انجازاتها ومشاريعها الاقتصادية كافة، كما أن التوسع في الإنفاق على المشاريع والبنية التحتية، يتم بصورة متوازنة استناداً إلى الموارد المالية الذاتية وتجنب الإفراط في الدين. ويلاحظ أن نسبة الدين الحكومي لا تتجاوز 24 في المئة من الناتج المحلي في آذار (مارس) الماضي، وهي أقل بكثير مما حددتها معايير الوحدة النقدية الخليجية ب 60 في المئة. مناسبة هذه الملاحظات التصنيف الأخير الذي وضعته وكالة «موديز» (Moody's) للتصنيفات الائتمانية لجهة أدوات الدين الحكومية البحرينية بالعملة المحلية والعملات الأجنبية من A2 إلى (A3)، وعزت ذلك إلى تدهور المرونة المالية للوفاء بالتزامات محتملة للقطاع المصرفي، وأعلنت الوكالة أن متوسط سعر النفط الذي تحتاجه البحرين لتحقيق التوازن في موازنتها ارتفع ارتفاعاً ملموساً في السنوات الأخيرة، ما لا يتيح مجالاً كبيراً أمام الحكومة للمناورة. ووفقاً للوكالة «أدى هذا إلى جانب المستوى المتواضع نسبياً للأصول المالية الرسمية، إلى حدوث فارق بين المرونة المالية للحكومة ومرونة نظرائها، وأن هذا التراجع في المرونة المالية يضيف تحديات محتملة أمام الوفاء بالالتزامات النابعة من القطاع المالي البحريني، وهو كبير نسبياً مقارنة مع موارد الحكومة». ومع ذلك أبقت الوكالة نظرتها المستقبلية للتصنيف السيادي للبحرين بأنها مستقرة. وبناء على ما أشار اليه التصنيف فإن «موديز» تؤشر إلى ما سمته التواضع النسبي للأصول المالية الرسمية للبحرين، في حين يلاحظ أن الموجودات الأجنبية من الذهب والعملات الأجنبية العائدة لمصرف البحرين المركزي ارتفعت خلال النصف الأول من السنة الحالية بقيمة 546 مليون دينار (1436 مليون دولار) من 1329 مليون دينار في كانون الأول ( ديسمبر) 2009 إلى 1875 مليوناً حزيران (يونيو) الماضي، وهي تمثل طفرة كبيرة تعكس حرص المملكة على تقوية احتياطاتها المالية. أما بخصوص إشارة الوكالة إلى الوضع المصرفي المحلي، فيجب أن نفرق بين مصارف التجزئة ومصارف الجملة والمصارف الاستثمارية في البحرين. ففي ما يخص مصارف التجزئة، التي تلامس أعمالها مباشرة الاقتصاد المحلي، فإن أوضاعها المالية وفقاً لقوائمها المالية، جيدة بصورة عامة، وتحقق أرباحاً لا تقل عن مستويات الأرباح التي حققتها قبل الأزمة العالمية. وبخصوص مصارف الجملة، فمن المعروف أن أغلبها إما مملوك من حكومات خليجية وعربية أو أجهزة استثمار عربية، ووقفت هذه الحكومات والأجهزة بقوة إلى جانب تلك المصارف أثناء الأزمة العالمية وتداعياتها، ولاحظنا ذلك بكل وضوح، بحيث حرصت على ضخ رؤوس الأموال والسيولة فيها ما مكنها من العودة سريعاً إلى تحقيق الأرباح. وبخصوص المصارف الاستثمارية، يشهد بعضها صعوبات حقيقية، وهذا ليس ناجماً عن خسائر تشغيلية، ولكن بسبب إعادة تقويم محافظها الاستثمارية والعقارية، نظراً إلى التراجع الحاد في الأسعار بسبب الأزمة العالمية. ويمكن تجاوز مثل هذه الصعوبات تدريجياً مع عودة الانتعاش التدريجي إلى الأسواق وتحسن الأسعار وهذا ما نشهده. والبحرين من البلدان القليلة التي لم تتدخل لضمان الودائع لدى المصارف كما فعلت دولٌ خليجية، لاطمئنانها إلى سلامة الوضع المالي للمصارف العاملة لديها، ولعدم الحاجة إلى مثل هذه الإجراءات الاستثنائية، وهذا بالفعل ما أثبتته التطورات الراهنة. وخلاصة التقويم أن الوكالة أبقت على النظرة المستقبلية المستقرة للتصنيف السيادي للبحرين، وهذا جانب ذو أهمية كبرى لكونه يعكس النظرة المتفائلة لأداء الاقتصاد البحريني، وأنه يسير على الطريق الصحيح نحو الانتعاش والنمو بصورة متأنية ومتوازنة، وهو المهم بالنسبة لنا جميعاً. * رئيس اتحاد المصارف العربية