ابتلي قرد شقي بنمرٍ ماكرٍ أوغل في أذاه ومضايقته، وكان كلما رآه يمشي لحال سبيله في دروب الغابة وأجمتها الكثيفة، حياه بصفعةٍ قويةٍ على قفاه دونما سببٍ ظاهر، ولا ذنبٍ واضح! ما خلا كلمةً واحدة فقط: ليش ما تلبس طاقية؟! اشتد الأمر بالقرد وحار في كيفية إيقاف طغيان النمر ولجم اعتداءاته المتكررة، ولم يجد بداً من اللجوء إلى ملك الغابة وحاكمها المتوج الأسد، في حضرة الأسد اشتكى القرد وبكى، مرير ما يجد، وبؤس ما يلقى، فاستدعى الأسد النمر وعاتبه ولامه على سوء التصرف، وقال: إن كنت لا محال ضارباً، فلا تضربه إلا بسببٍ وجيهٍ مقنع، كأن تقول له مثلاً: احضر لي تفاحةً من فوق الشجرة، فإن أتى بها إليك وكانت حمراء فاصفعه وقل له أردتها خضراء! وإن أتى بها خضراء فتوصى به وقل له أردتها حمراء وهكذا! استدعى النمر القرد البائس وطلب منه إحضار تفاحةٍ له، فقال له القرد: تريدها خضراء أم حمراء؟! لم يجد النمر بداً من صفع القرد على قفاه بقوله: ليش ما تلبس طاقية؟! وهي تشبه قصة الحمل والذئب اللذين اجتمعا على مورد ماءٍ، فكان الذئب في أعلى المورد والحمل أسفله، فقال الذئب للحمل لقد عكرت عليّ صفو الماء! لا يحتاج الظالم من بني البشر إلى حجةٍ مقنعةٍ كي يغصب حقوق العباد أو يضيق عليهم في الطرقات أو يستمرئ أذيتهم، ولا تعوزه الحجة أو المنطق وإن كان ركيكاً لينفذ قانون الغاب على الضعفاء. فإذا سئل عن السبب أجاب: إنهم لا يفهمون ولا يفقهون، ووجودهم على قارعة الطريق خطر لا لبس فيه، أما بقاؤهم في الحياة فمجرد أرتالٍ من الزحمة! الإنسان منا بحاجةٍ إلى الصلح مع نفسه أولاً، ثم مع الناس ثانياً، وتهذيب السلوك والترفع عن الأذى مطلب شرعي، وخلق إنساني، ولا يكن حالنا كحال الحطيئة الذي لم يوفّر أحداً من الناس، ولما فاض به الكيل رمق سحنته يوماً في المرآة فقال : أرى اليوم لي وجهاً قبح لله خلقه - فقبح من وجه وقبح حامله مكهرب