تبدو تجربة المخرج الشاب المثنى صبح في الدراما السورية مجددة لشباب هذه الدراما في شكل او في آخر. إذ إن أول ما يلاحظ في أعماله التي شاهدناها خلال السنوات الخمس الفائتة، انها حملت لغة بصرية مختلفة. فصبح - وخصوصاً في «ليس سراباً» – قدّم مرافعة فنية بالغة الجمالية وذات حرفيات عالية لبعض أكثر موضوعاتنا الاجتماعية إشكالاً. اليوم، أعود الى عمل المثنى صبح وأنا أشاهد تجربته التلفزيونية الأحدث «القعقاع». هنا نحن أمام دراما تاريخية، بل أكثر من ذلك امام دراما تنهض على ضخامة التنفيذ عبر إدارة مجموعات ضخمة من الممثلين والكومبارس، وتتنوع بيئاتها وتضاريسها، فنعثر عبر ذلك كلّه على براعة الحلول الإخراجية، وجماليات ما تلتقطه الحدقة الذكية من مشاهد تنجح في استدراج وعينا وبصرنا لمشاهدة مشوّقة وجذابة. في «القعقاع» رهانٌ على جمالية الصورة بالمعنى الذي يفهم الدراما التلفزيونية باعتبارها فناً بصرياً أولاً وقبل أي شيء آخر... ثم أيضاً رهان على إدارة الرواية التلفزيونية بشقي حدثها، الوقائع التاريخية، وأيضاً المتخيلة أو الدرامية. وفي الحالين نجد معالجة بصرية تمزج العالمين وتضعهما في سياق رؤية واحدة. هي تجربة تعود بنا لما حققته الدراما التاريخية السورية سابقاً من أعمال متميزة خصوصاً على يدي المخرج حاتم علي... وها هو صبح يأتي ليقدم اقتراحه الجمالي المختلف أيضاً، والذي يحمل بصمة مختلفة، ويضيف جديداً نظنُ أنه سيأخذ موقعه الذي يستحقه في خريطة الدراما السورية والعربية. نقول ذلك من دون أن نعني انحيازاً الى تجربة صبح التاريخية على حساب المعاصرة الأسلوبية، فهناك وقفنا على جهد إخراجي عشنا معه بمتعة، وبالذات لجهة براعة المخرج في تقطيع المشاهد، وتحريك الكاميرا واختيار زوايا التصوير لتقديم الشام بمشهديات تتناوب مع الوقائع في رسم صورة الحياة فيها، ومتابعة بعض أهم ما تعيشه اليوم. ولعلّني في هذه العجالة أشير إلى حيوية دراما هذا المخرج المعاصرة واهتمامها بذائقة المشاهد وحقه في المتعة باعتبارها ركناً رئيساً من الدراما لا يجوز التفريط به تحت ذرائع الانحياز للمضامين الفكرية أو الاجتماعية. في اختصار نقول ان المثنى صبح كمخرج شاب يقفز درجات السلّم عبر أعمال قد تكون جادة وموضوعية، لكنها قبل ذلك ذات جاذبية وألق.