«يا نايم وحد الدايم، يا نايم وحّد مولاك، قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم». حل رمضان، وها هو «أبو طبلة» أو المسحراتي يتسلم مهماته في إيقاظ الصائمين عند السحور. وها هي الأسواق تتلون بالأطايب والحلويات، والموائد تتزين بولائم شهية من الأطباق الدسمة. هنا حكواتي الشام في المقاهي القديمة يجدد حكايا الشهر الكريم. وهناك أهل وأقارب يتجمعون حول المائدة وقت الإفطار، ويمتعون أنظارهم بمتابعة نجوم الدراما المحببين، طبعاً من دون أن ينسوا تبادل الأطباق الغنية مع جيرانهم، فيتذوق كل جار من سفرة جاره، وهذا ما يُعرف بتبادل «السكبة». «رمضان كريم»، معايدة شقّت طريقها إلى قلوب الأحباب والأقارب، من خلال الرسائل القصيرة عبر الموبايل أو البريد الإلكتروني وصفحات ال «فايس بوك». ضجت الشام برمضانها واحتفل أهلها بالقادم العزيز، وكما يقول المثل الدمشقي الشعبي «العشر الأول من الشهر الكريم للمرق أي الأكل، والعشر الثاني للخرق أي شراء ثياب العيد، وأما العشر الأخير فلصرّ الورق أي شراء الحلويات احتفالاً». هذا العام، أطل الشهر الفضيل والبلاد تعيش موجات حر شديد، وسجلت بعض المستشفيات العامة والخاصة حالات إسعافية في أول أيام رمضان، سببتها الشمس الحارقة ودرجات الحرارة المرتفعة التي تزامنت مع الإمساك عن الماء والطعام. وأفتى المفتي العام للجمهورية العربية السورية الدكتور أحمد حسون، بجواز إفطار العامل في هذا الطقس، فسمح له بأن يفاضل بين ترك عمله والإفطار وأن يتوقف عن الصيام. وأكد المفتي في حوار مع صحيفة «الوطن» المحلية، نشر في أول أيام الصوم أن المرض والسفر من الأعذار الشرعية المبيحة للإفطار بنص القرآن، وأن الفقهاء اجتهدوا بإلحاق الأعمال المضنية، والأشغال القاسية مع شدة الحرارة بالمرض المبيح، فيبدأ المؤمن نهاره صائماً، ويعمل، فإذا ما أحس بضعف قواه، بسبب الحر الشديد، وشعر بالإرهاق الذي قد يؤدي إلى الهلاك، جاز له أن يفطر ذلك اليوم على أن يقضي بعد رمضان صيام اليوم الذي أفطره. وبين مؤيد ومعارض، لم يثنِ الحر الشديد كثيرين عن الصيام، على رغم ساعات العمل الطويلة المضنية. وهناك من آثر الرفق بالصغار فمنع بعض الأهل أولادهم من الصيام خوفاً على صحتهم وعدم قدرتهم على التحمل في هذا الحر الاستثنائي!. «الصيام للصغار ليس واجباً»، تقول أم في الأربعين من عمرها قبل أن تضيف: «يؤمر الأطفال بالصيام إذا أستطاعوا كما كان يفعل الصحابة رضي الله عنهم. ولكن، إذا كان يشق عليهم أو يضرهم فهم غير ملزمين... وهذا ما «أفتته» لنا الحاجّة أم أحمد التي تشارك معنا، كل أسبوع، في حلقة درس دين». وأما بالإسراف... يحض كثير من خطباء الجوامع على ضرورة تشارك الطعام والحاجات الأساسية مع المساكين واليتامى والأرامل والمحتاجين، لأنه خير من البهرجة والتفاخر، في وقت تشدد الدولة رقابتها على أسعار السلع الاستهلاكية، لضبط التلاعب الذي لا يمنعه صيام. وكانت وزارة الاقتصاد والتجارة طمأنت المواطنين الى ضمان عدم ارتفاع أسعار المواد الأساسية في شهر رمضان، كرد على لجوئهم إلى تموين كميات كبيرة من الحاجات الاستهلاكية قبل حلول الشهر الكريم خوفاً من الغلاء والاستغلال، إذ عادة ما تشهد الأسواق في سورية ارتفاعاً غير مبرر لأسعار أهم السلع الغذائية مع ازدياد الطلب عليها في شهر الصيام. وبالمناسبة، أطلقت جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها، عبر وسائل الإعلام، حملة توعية تحمل عنوان «لا للغلاء لا للإسراف» تهدف إلى نشر الوعي وتحفيز المواطنين على لعب دروهم في الرقابة على الأسعار، التي ربما ترتفع، ولو شدّدت الرقابة على البائعين. وذلك بالدعوة الى الإبلاغ عن كل بائع مخالف، كما خصصت الحكومة أرقاماً هاتفية لاستقبال شكاوى المواطنين. «لن تجدي نفعاً»، يستهزئ أحد المواطنين، ويضيف : «شهدنا مثل هذه الحملات في الأعوام السابقة ولكن لا شيء يردع أصحاب النفوس الضعيفة». وإذا كان الأصل في الإيمان أن يغتنم المؤمن فرصة عيش الشهر الكريم ليتفرغ للصوم والعبادة ولينتصر على عاداته السيئة ويحيي روح المحبة والتسامح، يعمي كثيرون أبصارهم عن صوم النفس واللسان وأسس العبادة الحقيقية، إذ يجدون في رمضان فرصة لا تعوض لتحقيق المزيد من الربح المادي واستغلال حاجة الناس أو ذريعة لتبرير الإساءة والغضب الجامح!