تنوء الموائد والولائم والاحتفالات بعشرات الطفيليين والجوعى من مختلف الشرائح الاجتماعية، والذين يأبون إلا المشاركة والمشاطرة وتتبع الروائح والمواكب، فإذا ما وصلوا، جاسوا خلال القوم واختلطوا بهم، فلم تميز داعياً من مدعو أو طفيلي! وقد ابتلي أبو عمر الجهضمي بجارٍ له طفيلي، وذكر أن ذبلك الطفيلي كان من أحسن الناس منظراً، وأعذبهم منطقاً، وأطيبهم رائحة، وكان من شأنه أنه خرج الجهضمي لوليمةٍ تعبه الجار من دون دعوةٍ، فيكرمه الناس من أجله! وذات يومٍ دعاه جفر ابن القاسم - أمير هاشمي - لحفلة زفاف، فقال لنفسه: إن تبعني فضحته على الملأ وأوقفت تطفله على خصوصياتي، فلما حضرت الموائد كان الطفيلي معه على المائدة نفسها، فمد يده ليأكل فقال الجهضمي: حدثني درسة بن زياد، عن إبان بن طارق، عن نافعٍ عن ابن عمر أن النبي عليه السلام قال: من دخل دار قومٍ بغير إذنهم فأكل طعامهم، دخل سارقاً وخرج مغيراً! فلما سمع الطفيلي ذلك قال: أنفت لك والله يا أبا عمر من هذا الكلام على مائدة من أطعم الطعام! فإنه ما من أحدٍ من الجماعة إلا وهو يظن أنك تعرض به من دون صاحبه، وقد بخلت بطعام غيرك على من سواك، ثم ما استحييت حتى حدثت عن درسة بن زياد وهو ضعيف، وعن إبان بن طارق وهو متروك، والمسلمون على خلاف ما ذكرت، فإن حكم السارق القطع، وحكم المغير أن يعزر على ما يراه الإمام. وأين أنت من حديث النبي عليه السلام: طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية وهو حديث صحيح متفق عليه! قال أبو عمر والله لقد أفحمني ولم يحضرني جواباً. فلما خرجنا فارقني من جانب الطريق إلى الجانب الآخر بعد أن كان يمشي ورائي وسمعته يقول: ومن ظن ممن يلاقي الحروب بألا يصاب فقد ظن عجزاً.