يحتاج الصائم إلى خريطةٍ ذهنيةٍ معقدةٍ، تمكنه من تتبع بعض أو جميع ما يذاع في وسائل الإعلام عقب دخول شهر رمضان، فرمضان تحول أو حُوِّل إلى شهر المسلسلات والدراما العربية والأجنبية باقتدار، وفيه تتبارى القنوات الفضائية على تقديم ما يفيد أو يجذب أو يأسر أو يسمّر المشاهد العربي، كي تستطيع تمرير الإعلانات التجارية للمواد الاستهلاكية في السوق المحلية. ويختل توازن الصائم بسبب عمليات الانقلاب السريعة هذه، فيتحول ليله – طواعيةً - إلى نهار، ويضطرب حبل غذائه لمصلحة أطعمةٍ مختصة بهذا الشهر المبارك، كما تحدث عمليات التداخل بين حبال الدراما التي تصرمت، فالجزء السادس من المسلسل الطويل (ضاع وأخواتها) يشابه الجزء الثالث في الشخصيات، ما خلا وفاة زيد وعبيد وظهور أجيال جديدة من الأبطال الذين سيغذون الصراع السابق بين الأسرة المتشظية حتى يفني بعضهم بعضاً، ويبقى المخرج والمنتج فقط! يقول أحد المفكرين: «يستعد الناس لرمضان بالطعام وكأنهم مقبلون على مجاعة، ويستقبلونه بالمساخر ليتخلصوا من الكآبة فهل صنع لهم كذلك؟ أم أن التاجر استغل ولَعَهَم بفرحة الطعام فملأ عيونهم الجائعة ولما يجوعوا فاشتروا ما لن يأكلوه، والساخر استغل فرحتهم القادمة فرقّصهم قبل الوقت فضحكوا قبل أن ينطق، إنها طبيعة الإنسان. ما أبسطها للمستغلين! نحن كذلك ولكننا دائماً بحاجة إلى من يقول هناك فكرة أخرى! والفكرة هنا عبارة عن دوامة زرعٍ وحصادٍ يقوم عمادها على وجود منتج ومستهلك، وبينهما وسائل ترويجٍ وترويح، فالمنتج لا بد له من البيع، والمستهلك لا بد له من شراء، ولكي يشتري لا بد من أن يتفرج أولاً كي يدفع من جيبه، وهي تشبه المعضلة القائلة، إذا أردت وظيفة فلا بد لك من خبرة، ومن أين تستقى الخبرة؟ من الوظائف، وكيف تأتي الوظيفة، لا بد لك من خبرة! وهذا يقودنا إلى معادلة رياضية شهيرة أيهما أتى أولاً البيضة أم الدجاجة؟! لن أطيل عليكم، اكتشف علماء الوراثة أن الدجاجة هي التي خُلقت أولاً، ومن ثم باضت البيضة، فالحمد لله رب العالمين! كل رمضان وأنتم بألف خيرٍ .