أكد رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أن «جلسة مجلس الوزراء اليوم دستورية وميثاقية ولكن لا نستطيع إلا أن نأخذ في الاعتبار بعدها السياسي المستجد، والذي نأمل بتجاوزه والمضي في تحمل المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة الصعبة». وأعلن أنه سيفسح في المجال لمزيد من التشاور في الأزمة الراهنة لإعطاء فرص جديدة لإيجاد حلول، لكنه شدد على أن إنتاجية الحكومة هي عامل أساسي في بقائها. وقال: «علينا ألا نتجاهل تبعات التعطيل وآمل أن يدرك الجميع أن عدم إنتاجية الحكومة يطرح سؤالاً مشروعاً حول جدوى استمرارها». وكان مجلس الوزراء عقد جلسته الأسبوعية في السراي برئاسة سلام وحضور 16 وزيراً أكملوا النصاب، على رغم غياب وزراء «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» والطاشناق و»المردة». إضافة إلى غياب وزير العدل المستقيل أشرف ريفي ووزير الاقتصاد المستقيل أيضاً آلان حكيم. وقبل بدء الجلسة أصدر وزير الثقافة ريمون عريجي بياناً أشار فيه إلى أنه «إفساحاً في المجال أمام مزيد من المشاورات لإيجاد الحل للأزمة السياسية الراهنة، أعلن عدم مشاركتي في جلسة مجلس الوزراء، معلناً استعدادي لحضور أول جلسة يدعو إليها رئيس الحكومة». وعلم أن غياب عريجي جاء بناء على طلب من «حزب الله». وأكدت مصادر وزارية ل «الحياة»، أن سلام قال خلال الجلسة: «أنا أكثر واحد حريص على حقوق كل الطوائف ومكونات البلد من دون استثناء، وشغلنا هو أن نسيّر مصالح الناس ولذلك يوجد جدول أعمال، أما إذا كان لا بد من تأجيل البحث فيه فلكي نعطي فرصة، نحن نطرح الحلول ولا نبحث عن مشكلة. فلنعطِ وقتاً للاتصالات، خصوصاً أننا لا نعرف ماذا يريدون»، لافتاً إلى أن «كل هذه الأمور سببها غياب رئيس الجمهورية». يذكر أنه لو طرح جدول الأعمال لفقد النصاب إذ أن وزير السياحة ميشال فرعون الذي حضر احتياطاً، قال إنه أتى ليطالب بتأجيل الجلسة أو عدم البحث في جدول الأعمال، وبالتالي في حال انسحابه، فإن النصاب يصبح مفقوداً. وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس في الجلسة: «انهم يتحدثون عن حقوق مسيحيين مصادرة وميثاقية مفقودة ويعلنون الحرب ويهددون بالشارع، الحرب ضد من ليتظاهروا ضده ويعلنوا الحرب عليه؟ وما هي الحقوق التي يصادرها الرئيس سلام؟ لا نعرف ماذا يريدون؟». أما وزير المال علي حسن خليل فلفت إلى «أننا نسمع من حين إلى آخر أن حقوق المسيحيين مهدورة وأن الميثاقية في خطر، فإذا كان هذا الأمر صحيحا وأشك أن يكون صحيحاً، لماذا عرضوا علينا صرف النظر عن التمديد لرئيس المجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير وتعيين بديل له؟ وقالوا لنا إن لا مانع من التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي. وسألنا لماذا هذا التبدل في الموقف؟ قيل لنا حتى لا تنكسر كلمتنا. فهل هذه هي الميثاقية التي يتحدثون عنها؟». وقال مصدر وزاري ل «الحياة» إن «ما قاله خليل تم تداوله أول من أمس. وأن التيار الوطني الحر باقتراحه تعيين بديل من خير كان كل همه كسر الرئيس سلام، وليقولوا إنه ما دام أنكم استطعتم تعيين بديل له فلماذا لم يتم تعيين قائد جديد للجيش؟». وكان الاقتراح المتعلق بخير طرحه حزب الله بالمراسلات نيابة عن التيار. وسأل الحزب: «لماذا استفزاز التيار الوطني وابتزازه؟ كان في إمكاننا تعيين خلف للواء خير بدل التمديد، وعندها يمكن أن نتساعد ونلعب دوراً لدى التيار «ليبلع» التمديد لقهوجي». وقال الوزير نبيل دوفريج في الجلسة: «سمعت من وزير الخارجية جبران باسيل أن الجلسة لم يعد فيها ميثاقية إذا غاب الوزير فرعون إضافة إلى غياب الوزير المستقيل حكيم (كاثوليك). فإذا كان هذا الأمر صحيحاً فإن غيابي أنا أيضاً عن الجلسة يفقدها الميثاقية لأنني أمثل سبع أقليات. هذا المقياس يضر بمصالح الناس ونحن لا نريده». وهنا سأله درباس: «أنت باسم من تتكلم؟ أجاب: باسمي واسم تيار المستقبل، وباسم البيت الذي تربيت فيه». وطلب وزير العمل سجعان قزي في مداخلة له داخل الجلسة «أن تتخذ الحكومة المبادرة بإصدار قرار يعلن 14 أيلول (سبتمبر) يوم حداد لمناسبة ذكرى اغتيال الرئيس بشير الجميل. وأشار إلى أنه لمس «استحساناً في مجلس الوزراء ولم يبد أي وزير معارضة لهذا الاقتراح». وأكد في مداخلته «ضرورة تحصين الحكومة بإجراء اتصالات مع الوزراء المعتكفين». وأشار إلى «أن مطالبة البعض باستقالة الحكومة وأن تتحول إلى حكومة تصريف أعمال مطلب باطل يراد به باطل، إذ أن استقالة الحكومة مستحيلة بحكم الدستور إذاً لمن تقدم استقالتها؟ ثم أن وضعية تصريف الأعمال تجعل لبنان من دون دولة بل مجرد مساحة عقارية لا تباع ولا تشترى». المشنوق: حكومة مأزومة أما وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي تمنى في بداية مداخلته على الوزراء أن «يوسعوا صدورهم» وهم يستمعون إليه، فقال: «أخالف قليلاً ما سمعناه. أعتقد أن النقاش ليس دستورياً، أو ميثاقياً، لأن هذه الحكومة بالأصل حكومة مأزومة، وحكومة أزمة منذ اللحظة التي لم ننتخب فيها رئيساً، فلماذا نتعامل معها وكأنها حكومة طبيعية؟ ندعو إلى إحضار الكتاب كي نقرأ ونطبق ما يوجد فيه؟ لا، إن كل ما ينتج منها هو جزء من أزمة، لا من ميثاق، ولا من دستور ولا من كتاب. لا يجوز أن يكون النقاش محصوراً بما حدث في جلسة الحوار، لأنه جزء من أزمة وطنية كبرى في البلد، لا نتجاوزها بأن نعلق فقط على سوء نص استعملته جهة سياسية في جلسة الحوار». وأضاف: «إن الأمور أعمق وجدية أكثر من ذلك. عملياً، نحن أقرينا بمبدأ غير دستوري وغير ميثاقي، وشاركنا فيه جميعاً، وهو عدم اتخاذ قرار في مجلس الوزراء إذا كان هناك مكونان رئيسيان لا يوافقان عليه. فإذاً، عندما يكون هناك قرار من هذا النوع، جميعنا شارك فيه، وكلنا مارسناه، وارتكبناه. لماذا نتعاطى مع غياب ثلاثة مكونات كرد على جهة سياسية، أو عدم رد؟ لا، إننا لم نأت كي نرد أو نستكمل ما حصل في جلسة الحوار، أخطأ الوزير الفلاني، استعمل التعبير الفلاني، أساء، ليس هناك خلاف، فهل النقاش كم هي نسبة الإساءة؟». وتوجه إلى سلام قائلاً: «هناك أزمة جدية، أتمنى على دولتك بصدرك الواسع، وصبرك علينا طوال هذا الوقت الطويل أن تستمر في هذه السياسة لنقوم بالخطوات الإيجابية. إن الكلام غير صحيح بأننا موجودون في الوزارة غصباً عنا، لا، أتينا برضانا وبمسعانا وبرغبتنا، وباقون على هذا الأساس، فضلاً عن مسؤوليتنا. لا يؤاخذني وزير العمل، فان استقال، وذهب، ومارس، هو غير مستقيل، وهو كان يستطيع القيام بالأمر ذاته، ويقوم ببطولة، ويبقى أسبوعاً أو أسبوعين، ومن ثم يمل، وينزل إلى المكتب كما فعل غيره أيضاً». وقال: «أتمنى ألا نذهب إلى جلد الذات ومعاقبة فلان لأنه قال، كل هذا الكلام تعبير عن أزمة، علينا إيجاد حل للأزمة، لا إيجاد طريقة لمعاقبة الناس، أو بأننا نريد أن نتعفف عن الوزارة. نحن شركاء بالمسؤولية في طريقة معالجة هذه الأزمة، ووجودنا هو جزء من العلاج، وليس جزءاً من المواجهة». وأضاف: «هناك إجماع لبناني على أن الأسلوب الذي استعمل في جلسة الحوار أقل ما يقال عنه أنه يعبر عن أزمة، ولكنه أسلوب غير جامع وطنياً، فإن جزءاً جدياً من حضوري لهذه الجلسة هو اعتراضي على الأسلوب الذي حصل في جلسة الحوار. وأن جزءاً جدياً من حضوري لهذه الجلسة هو اعتراض، لأن هذا ليس أسلوب علاج، ولا يؤدي إلى نتيجة». لاستيعاب من خرج وأشار إلى أن «هناك ثلاث قوى رئيسية غائبة عن طاولة مجلس الوزراء، وواجبنا هو البحث عن كيفية استعادتها إليه وفق قواعد جدية ومسؤولة. من الطبيعي أن يخرجوا، لقد خرجت لسبب أقل من هذا، إن الناس ستغضب، وتخرج، ومن ثم تعود، وتدخل، ودولتك تستطيع استيعاب من خرج وعاد، أو خرج ويريد من يعيده». وقال: «لنكن واقعيين في حجم الأزمة، وحجم القوى السياسية الغائبة، وأن يكون بحثنا محصوراً وفي شكل جدي ومسؤول حول كيفية استعادة هذه القوى، وأن أي كلام آخر خارج نطاق الحل والتسوية، وخارج نطاق الاعتراف بقواعد وطبائع العمل الوزاري منذ أن غاب رئيس الجمهورية، لم يعد موجوداً». ولفت إلى «أننا ذهبنا إلى الحوار مع أكثر الخصومات حدة بحثاً عن الأمان الوزاري وحماية للسلم الأهلي، ونحن نعلم أن هذه الخطوة مكلفة شعبياً وتنظيمياً أيضاً». ورأى «أن قاعدة هذه الجلسة هي الاستيعاب وليس المواجهة، والأهم الاعتراف والتصرف على أن الفراغ الرئاسي هو سبب ما نعانيه، وعلينا العمل كل يوم من الداخل وليس من الخارج كما يقال لانتخاب رئيس يعيد إلى النصاب الدستوري دوره الطبيعي ليس في إدارة البلاد فحسب، بل في حسن إدارة الصراع السياسي». وفي نهاية الجلسة أشار وزير الإعلام رمزي جريج إلى أن الرئيس سلام استهل الجلسة بالحديث عن الشغور الرئاسي وانعكاساته السلبية على المستوى الوطني، داعياً إلى انتخاب رئيس بسرعة. وقال: «إن تعليق جلسات الحوار الوطني أخيراً أضاف عنصراً سلبياً جديداً إلى المناخ السياسي العام، علماً أن الجميع كان يتطلع إلى هذا الحوار على بأمل إيجاد المناخ الضامن لإيجاد المخارج من المأزق السياسي الراهن». ولفت سلام إلى «أن هذا التطور أعقبه تصعيد للتوتر السياسي وللتشنج داخل مجلس الوزراء بما يؤدي إلى انعكاسات سلبية على الحكومة». وقال: «حذرت دائماً من سياسة التعطيل وحاولت جمع الكلمة وتوحيد الرؤى وتأمين الحصانة الوطنية حفاظاً على لبنان في ظل الأحداث المدمرة في منطقتنا حيث لا يبدو أن الحلول قريبة»، آملاً في أن «يؤدي التشاور إلى إعطاء البلاد فرصة وإبعادها عن الانهيار والكأس المرة». وبعد الجلسة أشار الوزير عبد المطلب حناوي إلى «شروط للتسوية بالتراجع عن التمديد للواء خير مقابل القبول بالتمديد لقائد الجيش». وقال فرعون: «إن الجلسة تشاورية ولا تبحث في أي جدول أعمال»، مؤكداً أنه لم يؤمن نصاباً لها. وتحدث وزير الاتصالات بطرس حرب فقال: «النصاب الدستوري كان متوافراً، وعندما يكون أحد من القوى السياسية غائباً لا يعني ذلك غياب الميثاقية، هذا النوع من الكلام يقصد منه مصالح شخصية وحزبية وفئوية لا علاقة لها بحقوق المسيحيين وغيرهم». وأكد «أننا نرفض أن يبتزنا أحد ويأخذ السلطة منا بوسائل غير دستورية، ولن نسمح أن يتحول مجلس الوزراء مسرحاً لممارسة بطولات وهمية على حساب الشعب، وإذا تحول إلى أداة للابتزاز لن نقبل أن يستمر». «التيار الوطني» ينفي وجود تسوية ونفى «التيار الوطني الحر» في بيان ما ورد على لسان بعض الوزراء بعد جلسة الحكومة عن تسوية تقضي بطلب وزيري التيار إلغاء التمديد للواء محمد خير مقابل القبول بالتمديد لقائد الجيش لمعاودة حضور جلسات الحكومة. وأكد أن «موقفه مبدئي من رفض التمديد لا علاقة له بالأشخاص أو الأحداث، وهو مع تحقيق الشراكة الفعلية والميثاقية لتصحيح الخلل وانتظام عمل المؤسسات. وأن من يهتم بإنتاجية الحكومة وعدم تعطيل أعمالها عليه أن يسيّر ملفاتها العديدة المتوقفة والمتصلة بشؤون الناس والكهرباء والمياه والنفط الاتصالات والنقل وغيرها المعطّل بفعل مراعاة المصالح الخاصة على حساب مصلحة الناس».