كانت جلسة الحوار الوطني السادسة عشرة أمس، الأقصر بين جلسات الحوار، بفعل السجال بين غالبية المتحاورين، ما استدعى تدخل رئيس المجلس النيابي نبيه بري أكثر من مرة لإعادة ضبط الحوار وتصويبه، وعندما أخذت النقاشات طابعاً حاداً في شأن الاستحقاق الرئاسي، حسم بري الموقف بالقول: «مع موافقتي على اعتبار موضوع رئاسة الجمهورية بنداً أول، لقد دعوت إلى طاولة الحوار وفق جدول أعمال يتضمن مواضيع عدة، وهيئة الحوار ليست مؤسسة تتخذ قرارات بل هي هيئة تضع توصيات وتبذل مساعي للتوفيق». وأكد أنه «لن يكون هناك تجاوز للدستور، الذي ينص على ضرورة توافر نصاب الثلثين لانعقاد أي جلسة لانتخاب رئيس في كل الأحوال، وأي دعوات لتجاوز هذا الأمر ليست دستورية، ومن هنا نتمسك بهذا النصاب الدستوري». وأرجأ الجلسة إلى 30 آذار (مارس). الطاولة التي انعقدت بغياب رئيس «تكتل «التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون الذي مثله وزير الخارجية جبران باسيل، ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط -الموجود في باريس- الذي أناب عنه النائب غازي العريضي، تمحور النقاش فيها حول آلية تفعيل عمل المجلس النيابي وقانون الانتخاب، الذي أرجئ البحث فيه الى حين رفع اللجنة النيابية المعنية تقريرها الى رئيس المجلس، إضافة إلى الاستحقاق الرئاسي، فيما لم يتم التطرق إلى ملف النفايات إلا لماماً، من خلال دردشات بين بعض الأقطاب قبل انطلاق الجلسة، التي سبقها ليلاً اتصالات جرى خلالها التوافق على عدم طرح الموضوع على طاولة الحوار وترك الأمر للجنة الوزارية المعنية لمتابعة بحث الموضوع السادسة والنصف مساء (أمس) في السراي الكبيرة، لحرص المتحاورين على الالتزام بجدول الأعمال، ومواصلة البحث في رئاسة الجمهورية. وكان موضوع تفعيل عمل المجلس استحوذ على نقاش واسع، فشدد بري على ضرورة أن يعود المجلس إلى العمل وتفعيل التشريع، وهذا أمر أساسي كي يترك نتائج إيجابية على كل المؤسسات، فدور المجلس أساس في وضع قوانين تساعد لبنان، إذ لا موازنة لدينا، والمفروض وجودها، واللجنة المالية مستعدة لمناقشتها. اللجان تعمل بجدية ولا تنتج، بسبب غياب المجلس وعمله. والآن أصبحنا على أبواب موعد فتح الدورة العادية للمجلس، وتحديداً في أول ثلثاء بعد 15 آذار الجاري»، ولما لم يتم التوصل إلى نتيجة، تم التوافق على متابعة الموضوع في الجلسة المقبلة. وتناول بري قانون الانتخابات النيابية، وتحدث عن النقاشات والأجواء التي توصلت إليها لجنة التواصل النيابية، وقال: «عجزت اللجنة عن تحقيق أي إنجاز، وسأرفع الموضوع عن جدول الأعمال، وننتظر التقرير النهائي الذي سترفعه اللجنة المختصة (الثلثاء المقبل)، والتي ستختصر فيها مجمل الطروحات والمواقف والآراء التي أُبديت في هذا الموضوع، وعلى ضوء ذلك سيتقرر كيف سيكون مسار الأمور وسيبنى على الشيء مقتضاه». وتخلل الجلسة سجال لم يخل من الحدة والسخونة حول الاستحقاق الرئاسي، بدأه رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل قائلاً: «جئنا إلى هيئة الحوار لنتكلم في الشغور الرئاسي الذي لا يجوز أن يستمر على هذا الشكل، وهو أول موضوع على جدول الأعمال، ونحن لا نقبل ببحث أي شيء قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية»، في رده على دعوة بري إلى تفعيل البرلمان. وعلمت «الحياة» أن الجميل قال: «من غير المعقول أن يبقى البلد واقفاً نتيجة حيرة «حزب الله» في أن يختار بين مرشحين هما حليفان له وأن نبقى ننتظر، فلننزل إلى المجلس النيابي وننتخب». وتدخل رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان، معتبراً أن «البلد في حال انقسام عمودي وخطير، وهناك تهديد للميثاقية بسبب الانقسام على الرئاسة وأمور عدة، وهي المرة الأولى التي ينقسم بهذه الخطورة، وأهمية الحوار أنه سيساعد على خروج البلد من الجمود ويخلق مناخاً من المرونة والتعاون بين الفرقاء للبحث عن حلول لكل القضايا». ورد الجميل قائلاً: «لا أوافقك الرأي، فالبلد ليس في انقسام عمودي أو خطير، والدليل أن هناك قطبين من 14 آذار يؤيد كل منهما مرشحاً من 8 آذار. وأنتم تتحدثون عن التوافق دائماً. إنه مؤمّن بهذين الترشيحين وهما مرشحان يؤمّنان الميثاقية التي تتحدثون عنها. على الصعيد المسيحي هما قطبان مسيحيان كبيران على صعيد الميثاقية المذهبية، فللمرشحين من يؤيدهما من السنّة والشيعة. فلننزل إلى البرلمان وننتخب، وليربح من يربح». وأثار كلام الجميل رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد، فسأل بداية: «هل هناك 14 آذار؟»، فرد عليه وزير الاتصالات بطرس حرب سائلاً: «هل هناك 8 آذار؟». وتابع الجميل قائلاً: «المرشحان هما حبيبان لحزب الله، فليختر واحداً منهما وننتخب. وهو يمنع انتخاب الرئيس. كل ما ندعو إليه هو الاحتكام إلى البرلمان ولا يجوز الاستمرار بالتعطيل». وقال أحد أعضاء هيئة الحوار ل«الحياة»، إن الجميل دعا، إذا استمر تعطيل انتخاب الرئيس إلى أن تنعقد جلسة الانتخاب بنصاب النصف زائد واحداً بدل نصاب الثلثين، وأيده في ذلك الوزير حرب، الذي اقترح إعطاء مهلة لتوافق الفرقاء على الرئيس ثم ننزل بعدها إلى البرلمان لننتخب ونهنئ من يفوز، وإذا بقي الفريق المعطل على موقفه نلجأ إلى نصاب الأكثرية المطلقة التي ينص عليها الدستور في الدورة الثانية للانتخاب». وعاد رعد فرد عليه قائلاً: «من يقول هذا الكلام عن الميثاقية يبسط الأمور ولا يفهم خلفيات الحديث عنها وحقيقة وسبب غياب حزب الله عن جلسات الانتخاب. ولماذا تحكي بهذه الطريقة وتتهم؟ عليك التحدث بالعموميات». وأجابه الجميل: «أنا أتحدث بكل تهذيب وهدوء وعليك أن تخاطبني بتهذيب. نحن نفهم كل الأمور والأسباب». وتدخل بري قائلاً: «الأمور معروفة بكل بساطة يا جماعة...» (عن أسباب التأخر في انتخاب الرئيس). وأشار مصدر في هيئة الحوار إلى أن رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس السابق فؤاد السنيورة أيد مداخلة الجميل وقال: «لا يمكن أن يبقى البلد مجمداً وينتظر، والبلد لا يمشي على ساعة حزب الله وتوقيته. البلد يجب أن يمشي على ساعته. وإذا كنا سنبقى على هذه الحال فلنذهب إلى اعتماد النصف زائد واحداً للنصاب». وتحدث رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل مجدداً عن الميثاقية، قائلاً إنه «يجب ألا يحدثنا أحد بقصة تعطيل النصاب، فهو حق دستوري». واعتبر أن «من يريد الحديث عن التعطيل فليتكلم أولاً عن تعطيل صوت الناس والميثاقية وحقنا بالترشح للرئاسة، والذي يعطل هو الذي يعطل الميثاقية وصوت الناس». وأضاف: «لا يتم الأخذ بما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني في هذا الصدد، على رغم اقتناعنا بأن في الدستور الحالي مواد فيها إجحاف في حق المسيحيين، نحن نقترح إما أن نجري انتخابات نيابية بموازاة الانتخابات البلدية التي ستحصل (في أيار/ مايو)، وفي الوقت نفسه، أو نعود إلى الشعب، وموقفه معروف فنحن معنا أكثرية المسيحيين ونريد الانتهاء من المظلومية التي لحقت بنا منذ عام 1990 ونريد حقوقنا». وقال السنيورة: «يا أخي المرشحان من فريقكم. ما هو المطلوب منا أكثر؟ هل تريدون منا أن نشلح ثيابنا؟». وهنا رد رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية قائلاً: «إذا كان مطلوباً أن تشلحوا أنا لا أقبل وأنسحب» (من الترشح). ثم رد على باسيل قائلاً: «تتحدث كأننا نحن الذين أوصلنا البلد إلى ما هو عليه. وتقولون إن حقوق المسيحيين مهدورة منذ 1990 ومنذ 2005. نحن نقدر أنكم كنتم خارج البلد وناضلتم. وإذا كانت حقوق المسيحيين مهضومة منذ 1990، فها أنتم الآن في السلطة فماذا فعلتم؟ وإذا كانت هناك مواد في الدستور وفي اتفاق الطائف مجحفة في حق المسيحيين، فالسبب كان رد فعل على ما قام به الجنرال عون وتياركم ومنعه من انتخاب رئيس في حينه. والنواب ذهبوا إلى الطائف بعدما حصل كل ذلك، حيث حل العماد عون البرلمان وأعلن حرب التحرير. وهذا في الحقيقة ما أوصلنا إلى ما نحن عليه». وأضاف فرنجية: «لستم وحدكم تمثلون المسيحيين، وأقول لك إننا قبلك ومعك وبعدك كنا نمثل المسيحيين، وكنا هنا وما زلنا، لكننا لا ندّعي حصرية تمثيل المسيحيين. وفي الحقبة التي تتحدث عنها هناك نواب مسيحيون فازوا بأصوات المسيحيين. هل يمكن أن تنكروا على (نائب رئيس الحكومة السابق) ميشال المر أنه فاز بأصوات المسيحيين؟ الآن تفاهمتم مع القوات اللبنانية، ونحن مع التوافق (كررها 3 مرات)، لكن هذا لا يعني أن تلغوا غيركم. لكنكم تتصرفون كأنكم تريدون إلغاء غيركم. أنتم منشرحون لاستطلاعات الرأي التي تنشر وتعطيكم الأكثرية، لكن لعلمكم فإن المؤسسات التي تجري هذه الاستطلاعات هي نفسها التي قامت باستطلاعات لمصلحة التمديد للرئيس إميل لحود وقبله لانتخابه وأعطته الأكثرية، ويمكن استطلاعات أخرى أن تعطي نتائج مخالفة للحالية». وتابع فرنجية: «تقولون إنكم مع القوات تمثلون 86 في المئة من المسيحيين. غداً ستحصل الانتخابات البلدية وسنرى إذا كنتم تمثلون بهذا القدر». وأوضح مصدر في هيئة الحوار أن النائب رعد لم يكن مرتاحاً لمداخلة فرنجية ورده على باسيل. وقال المصدر إن الرئيس بري رد على طرح الجميل انتخاب الرئيس بنصاب النصف زائد واحداً وتأييد حرب ثم السنيورة له، بالقول إن الدستور ينص على أكثرية الثلثين للنصاب وهذا أمر مفروغ منه ولا يمكن تجاوزه بحسب كل الخبراء الدستوريين. وجرى سجال بين بري والسنيورة الذي قال: «إنك فسرت الدستور حين جرى انتخاب الرئيس ميشال سليمان من دون تعديل الدستور (باعتباره كان موظفاً وعليه أن يستقيل قبل سنتين من انتخابه)»، فرد بري قائلاً: «هذا غير صحيح، وأنا دعوت إلى جلسة انتخابه بعد التشاور مع خبراء دستوريين ومنهم الوزير السابق بهيج طبارة». وأضاف بري: «وللعودة بالذاكرة إلى الوراء، ومع احترامي لك، فإن انتخاب الرئيس عام 1982 في الجلسة التي انعقدت في الفياضية لم تبدأ الجلسة إلا حين تأمن نصاب الثلثين وظلوا ينتظرون وصول النواب على رغم التأخير حتى اكتمل الثلثان...». ورد السنيورة بدوره على باسيل قائلاً: «كل ما تطرحونه تعيدونه عشرات المرات فتعتبرونه حقيقة. وتتحدث عن استطلاعات الرأي كأنكم الأكثرية»، فرد باسيل داعياً إلى إجراء الانتخابات النيابية لمعرفة من له الأكثرية. ورد عليه نائب رئيس البرلمان فريد مكاري قائلاً: «بعد الكلام الذي قاله الشيخ سامي الجميل في شأن الميثاقية، تبين لي أن الحاج محمد رعد والوزير جبران باسيل غير مقتنعين بموضوع الميثاقية، ويعتبران أن مرشحهما يتمتع بالميثاقية أكثر من المرشحين الآخرين». وهنا اعترض رعد وباسيل، مؤكدين أنهما لم يقولا ذلك، فرد مكاري مخاطباً باسيل: «لكنك قلتها بطريقة أخرى مغلفة». وتابع قائلاً: «أمس نشر استطلاع في جريدة قريبة من التوجه الآخر يُظهر أن المرشحين فرنجية وعون لديهما ميثاقية تامة، وربما إذا كان الأمر يتعلق بالميثاقية المتوافرة على صعيد الوطن، قد يكون فرنجية متمتعاً بميثاقية أكبر، وبالتالي في هذه النقطة نشعر بأن الكلام الذي قيل ليس حتماً مقنعاً ولا يمكن التسليم به». وأضاف: «الوزير باسيل يقترح إجراء انتخابات نيابية وأنا في الواقع لست ضد ذلك، ولكن هو يتكلم عن انتخابات بعد شهرين، في ظل عدم وجود قانون جديد جاهز في مجلس النواب، ونحن نعرف أنه لن يكون جاهزاً الأسبوع المقبل أيضاً، وبالتالي نريد أن نفهم منه هل يوحي كلامه أنهم قابلون بالقانون الحالي؟». وختم قائلاً: «أريد أن أذكر بأن الانتخابات النيابية تقام في يوم واحد بينما البلدية مقسمة على المحافظات، فهل هم أيضاً موافقون على إجراء الانتخابات النيابية على أربع أو خمس مراحل إذا وافقوا على القانون؟». وحين كرر باسيل الدعوة لإجراء الانتخابات النيابية قال له السنيورة: «جاهزون لذلك، لكن في البلد هناك دستور لا يمكن تغييره وفق مزاجك. وهو ينص على انتخاب الرئيس قبل أي عمل آخر». وهنا عاد بري فطرح مسألة تفعيل المجلس النيابي قائلاً: «أنا كرئيس للبرلمان ومع أني مع تفعيله وأستطيع دعوته لكني أتريث من أجل أن نتوافق على الموضوع، لكن لن أنتظر طويلاً وبالتالي عندما تحل الدورة العادية بعد منتصف الشهر الحالي سآخذ خطوات في هذا المجال». وهنا سانده النائب رعد الذي قال إنه «استناداً إلى جدول أعمال الحوار هناك نقطة تتعلق بتفعيل المجلس النيابي. فهل تريدون ذلك أم لا؟». لكن الجلسة انتهت من دون حسم الموقف من هذا البند. وعقدت بعد الجلسة، خلوة ثلاثية ضمت إلى بري الرئيسين تمام سلام وفؤاد السنيورة. جنبلاط يحذّر من «الزلازل» واصل رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط سلسلة تغريداته عبر «تويتر» أمس. وأثار مشكلة التّوظيف العشوائي في قطاعات الدّولة، «بانتظار أن تزول العقبات التي تمنع انتخاب رئيس جمهورية وصولاً إلى فتح طريق مقر الرئاسة في بعبدا وتحسباً للزلازل السياسية وخصوصاً الاقتصادية والمالية الحالية والقادمة إلى لبنان المتروك لوحده». وقال: «يجب على الأفرقاء المعنيين أياً كان حجمهم التوصّل إلى الحد الأدنى من صيغة عملية للحد من العجز، عجز الموازنة والحد أيضاً من التَّوظيف العشوائي غير المدروس في قطاعات الدولة». وأضاف: «البيت اللبناني ملك للجميع وليس في برج عاجي معزول والحفاظ عليه أهم من كل الارتباطات وحمايته عمل جماعي. كفانا نقاشات بيزنطية وخطابات رنانة أو مزايدات مر عليها الزمن». ورأى أن «لبنان لم يعد يتحمَّل مبارزات إقليمية على حسابه أما العالم اليوم فهو فوضى عارمة... في كل مكان تقريباً».