دعت دراسة حديثة لمستقبل الطاقة في السعودية، إلى التوجه لاستغلال قدرات المملكة في مجالات «الطاقة البديلة والمتجددة»، مؤكدة أنه بات أمراً استراتيجياً يكتسب أهميته من حاجة المملكة المستقبلية إلى ضمان استمرار وأمن إمدادات الطاقة على المدى الطويل، وما يدعم هذه الرؤية استمرار الارتفاع في الطلب العالمي على الطاقة، بسبب النمو الاقتصادي، مشيرة إلى أن استمرار نمو استهلاك الكهرباء سيكلف المملكة في 2020 نحو 3.2 مليون برميل من النفط يومياً. وكان منتدى الرياض الاقتصادي بادر في دورته السابعة إلى إعداد دراسة «اقتصاديات الطاقة البديلة والمتجددة في المملكة - التحديات وآفاق المستقبل»، والتي أطرت توصياتها لنظرة استشرافية مستقبلية للاستفادة من الموارد المتاحة لتطوير قطاع مستدام للطاقة البديلة والمتجددة، وهى رؤية استباقية دفع بها المنتدى لتحقيق أهدافه لاستدامة التنمية، وشكلت في الوقت ذاته بعداً استراتيجياً مهماً في «رؤية المملكة 2030» التي تستهدف إضافة 9.5 غيغاوات من الطاقة المتجددة إلى الإنتاج المحلّي بحلول 2023 بمثابة مرحلة أولى، وتوطين نسبة كبيرة من سلسلة قيمة الطاقة المتجددة في الاقتصاد الوطني. وما يميز «الدراسة» اهتمامها بتقديم حلول لمسألة استدامة قطاع الطاقة بالتركيز على الدور الذي يمكن أن يؤديه قطاع الطاقة البديلة والمتجددة في هذا الجانب، ولإيضاح هذا الدور نجدها تقدم استقراء للواقع في المملكة، استناداً إلى خلفية قوة النمو الاقتصادي والسكاني وما ينتجه من توقعات بزيادة استهلاك الطاقة بمعدلات مرتفعة تصل إلى 4.4 في المئة سنوياً حتى 2035، بما يعادل 350 مليون طن مكافئ نفط في السنة، وذلك في ظل اعتماد الطلب المحلي للطاقة بنسبة 100 في المئة على الوقود الأحفوري، إذ ترى الدراسة أن هذا الوضع يفرض ضغطاً كبيراً على عائدات التصدير للمملكة. كما أن تلبية الطلب المرتفع في قطاعي الكهرباء والمياه على وجه الخصوص يتطلب التزامات استثمارية كبيرة لتوسيع وتحديث البنية التحتية لقطاع الكهرباء والمياه، هذا بجانب أن أسعار الوقود الأحفوري المنخفضة، وتعريفات الاستهلاك للمشترك النهائي لا تدعم ترشيد الطاقة من قبل المستهلك النهائي، بل تزيد في تفاقم قضية عدم الاستدامة في قطاعي الكهرباء والمياه في المملكة. كما يشير إحصاء استهلاك الوقود المستخدم لإنتاج الكهرباء في المملكة إلى أنه يبلغ 1.6 مليون برميل من النفط المكافئ يومياً لإنتاج 60 ألف ميغاوات من الكهرباء في 2012، وإذا ما تضاعف الطلب على الكهرباء إلى 120 ألف ميغاوات بحلول 2020، فهذا يعني مضاعفة الاستهلاك ليصبح نحو 3.2 مليون برميل من النفط المكافئ يومياً، وهو معدل كبير للاستهلاك يتطلب البحث عن بدائل اقتصادية. واستناداً إلى ما سبق فإن الدراسة تؤدي إلى أن هناك حاجة ملحة بالنسبة إلى المملكة لحل مسألة استدامة قطاع الطاقة، مبينة أن تطوير قطاعي الطاقة البديلة والمتجددة يعدُ هدفاً استراتيجياً لتحقيق هذه الاستدامة، كما أنهما سيسهمان بدرجة كبيرة في خلق فرص للتنمية الاقتصادية، من خلال إنشاء قطاع صناعي وخدمي واعدين، من سلاسل القيمة وتوفير فرص عمل لشبان وشابات المملكة، ولهذا فهي ترى أن تطوير الطاقة البديلة والمتجددة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة لم يعد مجرد اقتراح، بل أصبح أولوية استراتيجية للمملكة. إمكانات المملكة لم تغفل الدراسة الاتجاهات العالمية المستخدمة في تقنيات الطاقة البديلة والمتجددة، وتناولتها بسرد مفصل من حيث التقويم والنوع والاستخدام وتوفر الإمكانات، واعتبرت ذلك منطلقاً لرصد وتقويم تقنيات الطاقة البديلة والمتجددة في المملكة، وترى في هذا الجانب أن الطاقة الشمسية الكهروضوئية والحرارية المركزة وطاقة الرياح خيارات سهلة وبسيطة من حيث التطبيق في المملكة والاعتماد على مصادر هذه الطاقة وتدني مخاطرها المحسوسة، موصية بضرورة تطوير هذه التقنيات على المدى القصير بأطر اقتصادية مستهدفة، مع تقديم آليات تحفيزية لجذب مساهمة القطاع الخاص. وبالنسبة إلى تقنيات الطاقة البديلة والمتجددة الأخرى، مثل طاقة الكتلة الحيوية والطاقة الحرارية الأرضية، فترى أنه يجب اعتبارها «فرصاً طويلة المدى»، وذلك بسبب قلة نضجها التقني وقلة إمكانات مواردها، أو الفهم غير الكافي لإمكاناتها الفنية في المملكة، كما ترى أن نشر استخدام الطاقة البديلة (النووية) سيؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة في المملكة، إلا أن التكاليف الرأسمالية العالية والمدى الزمني الطويل للمشاريع النووية والمخاطر السياسية تقلل من الجاذبية التجارية لمشاركة القطاع الخاص. وتشير الدراسة إلى أن المملكة تحتاج إلى أن تعتمد أفضل ممارسات التخطيط المتكامل للموارد، إذ إن أنظمتها للطاقة ستصبح أكثر تعقيداً من خلال اعتماد الطاقة البديلة والمتجددة، مع دعوتها لإنشاء لجنة استشارية لجمع المدخلات تضم شركاء العمل من جميع القطاعات ذات الصلة، والعمل على تقويم جميع خيارات الإمداد التي تتضمن الموارد التقليدية وتقنيات الطاقة البديلة والمتجددة والتقنيات المستقبلية، وكذلك خيارات تجارة الكهرباء البينية إقليمياً، كما توضح الدراسة أن تقنيات الشبكة الذكية تساعد في تكامل الطاقة البديلة والمتجددة بكفاءة أعلى إذ ترى أنه ينبغي إدراج مدخلات استراتيجية الشبكة الذكية للمملكة في عملية التخطيط المتكامل للموارد. الأطر الاقتصادية تؤكد الدراسة وجود عدد من العقبات السوقية أمام مشاركة القطاع الخاص في قطاع الطاقة البديلة والمتجددة، ولتذليل تلك العقبات ترى ضرورة صياغة أطر اقتصادية قوية وجيدة التصميم لحفز مشاركة القطاع الخاص بكفاءة، على أن يتم إعداد هذه الأطر وفقاً للتقنيات المستهدفة، وبما يتماشى مع استخدامات المستهلك النهائي. وفيما يختص بالتطبيقات ذات السعة الكبيرة، توصي باعتماد نظام المنافسات، من خلال طرح عطاءات تنافسية في المرحلة الأولية لنشر الاستخدام، ويتبعها نظام التعريفة التفضيلية لإمدادات الطاقة، مصحوبة بأولوية الوصول بالشبكة والإرسال، ما يضمن مراقبة أفضل لجودة المشروع ومعرفة الأسعار في شكل أفضل في السنوات الأولية، لنشر استخدام الطاقة المتجددة ومشاركة أوسع في السنوات اللاحقة من النشر، كما أوصت في هذا الجانب بإعداد آليات للتحفيز من أجل تقليل تكاليف رأس المال المدفوعة مقدماً، من خلال استثمارات حكومية مباشرة وقروض وآليات بديلة لضمان القروض. وبالنسبة إلى نشر استخدام تطبيقات الأسطح ذات السعة المحدودة، فإن التعريفة التفضيلية لإمدادات الطاقة ترى أنها هي الإطار الاقتصادي الأنسب، إذ إنها تذلل عقبات الدخول وتدعم مشاركةً أوسع للشركات ذات السعة المحدودة، إضافة إلى بساطة التصميم والإدارة والتطبيق. وعن صناعة الطاقة البديلة «الطاقة النووية» ترى أنها منظومة معقدة تتطلب قدرات تقنية والتزامات رأسمالية كبيرة، إذ إن الزمن الأطول للسداد والقواعد الصارمة للسلامة ومنع التسرب الإشعاعي يزيدان الكلفة والتعقيد، ويزيدان عقبات الدخول أمام القطاع الخاص، وتوضح الدراسة أن رغبة المملكة في تعزيز مشاركة القطاع الخاص في صناعة الطاقة النووية تُحتم الحاجة إلى وضع أطر اقتصادية لدعم المنشآت النووية الجديدة وتشغيلها وصيانتها. حفز القطاع الخاص اقترحت الدراسة مجموعة من الأطر الاقتصادية لحفز مشاركة القطاع الخاص في قطاع الطاقة البديلة والمتجددة، مؤكدة أنه لتنفيذ هذه الأطر يتعين اتخاذ مبادرات استراتيجية مهمة تضمن تعزيز وتوطين سلسلة القيمة الخاصة بالطاقة البديلة والمتجددة في المملكة من حيث سلسلة الإمداد، ورأس المال البشري، وتطوير التقنيات في هذا القطاع، مبينة أنه لتطوير هذا القطاع لا بد من تحديد مبادرات لاستدامة قطاع الطاقة في المملكة. ولتحقيق ذلك أوصت بتبني مجموعة من المبادرات عبر ثلاثة محاور؛ الأول يتعلق بالبدء في نشر استخدام الطاقة البديلة والمتجددة، وحددت الدراسة سبع مبادرات تهدف إلى بناء الطلب السوقي ببدء نشر مشاريع الطاقة البديلة والمتجددة في المملكة، أما الثاني فقد اهتم بتوضيح كيفية بناء سلسلة القيمة للطاقة البديلة والمتجددة، وتم تحديد ثلاث مبادرات في إطاره تشير جميعها إلى أنه بمجرد بدء نشر الاستخدام واكتمال الطلب السوقي ستكون منظومة أعمال المملكة قادرة على تقديم ما يلبي هذا الطلب، من خلال تقديم منتجات وخدمات على طراز عالمي عبر سلسلة القيمة، أما المحور الثالث فخصص لتحديد كيفية بناء نظام مستدام للطاقة، وتهدف المبادرات إلى إنشاء اقتصاديات طاقة مستدامة في المملكة، وتشمل تلك المبادرات إدارة دعم الطاقة، والتخطيط المتكامل للموارد، وتكامل الطاقة.