بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وما نشاهده من تراكض المواطنين والمقيمين على المراكز لشراء حاجات الشهر الكريم، واستغلال بعض التجار الجشعين هذه المناسبة الكريمة لرفع الأسعار، هناك من يرى أن جمعية «حماية المستهلك» وُلدت ميتة، وستظل ميتة! لأن وجودها أصبح كعدمها! فلم تستطع التصدي للكم الهائل من المخالفات المتعددة للمواصفات والمعايير والمقاييس النوعية، والغش التجاري بأنواعه، ومتابعة وضبط الأسعار، وكل هذا لا يُستبعد حدوثه في أحسن الحالات، ولكن الطامة الكبرى ذلك التصريح الغريب من نوعه والقائل بأن التشهير بالمتلاعبين والغشاشين وأمثالهم يمس مشاعر عائلات من ينتسب إليها ذلك الغشاش والمتلاعب! أستبعد وجود خطاب وتوجيه رسمي مباشر بمنع التشهير لأي سبب فالجميع في الميزان سواء، علماً بأن السعوديين جميعاً، قبائل وعشائر وبطوناً وفخوذاً، بدواً وحضراً! «فالحُضران» هم قبائل استوطنوا المدن، وكذلك ذوو الأصول من خارج الجزيرة العربية استوطنوها، وتمددوا فيها كقبائل مختلفة، وإلا ما مفهوم القبائل؟ أليسوا أسرة تكاثرت أعدادها بفعل التزاوج والمصاهرة؟ أم أن هناك من يتخيل أو يتصور أن القبائل محصورة بسكان الجزيرة العربية قبل آلاف السنين؟ وأن القبائل الأفريقية والآسيوية والأوروبية والأميركيتين والأبورجينيز الأستراليين وغيرهم هي قبائل مقبلة من المريخ؟ بكل بساطة ووضوح «كل أسرة هي مشروع قبيلة» مع امتداد أفرادها وتوسع أعدادهم بالمصاهرة والتزاوج، فيتم إضافة «ال» على اسم الجد الأول، وينتسب الجميع إلى ذلك ال «ال» بشكل تلقائي، وهذه هي القبيلة، وتلك هي القبلية، ولا يعني هذا تجنب محاسبة أحد أفرادها إذا أخلَّ بالأمن أو الأمانة أو الشرف، لمجرد أنه منتسب إلى قبيلة من القبائل! بل تمت محاسبة الإرهابيين بفئاتهم كافة مع ذكر انتسابهم القبلي، وهذا لا يضير القبيلة في شيء، (لا تزر وازرة وزر أخرى) الآية. وطالما تجنبنا التشهير بالذين أخلُُّوا بالأمانة والشرف، فإننا بذلك نشجعهم على ما هم عليه! ونتستر عليهم، وهذا ليس من شيمنا، ومخالف للمسؤولية الملقاة علينا كمسؤولين مؤتمنين على تسيير أمور العباد والبلاد، بكل أمانة وإخلاص وصدق، وألا تأخذنا في الله لومة لائم في سبيل إحقاق الحق وإبطال الباطل، فإذا كانت الحدود الشرعية أمر الله تعالى إشهارها (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)، فكيف نتستر في أمور مالية أو تجارية أو عقارية أو تصنيعية وأمثالها؟ على رغم الفارق الكبير بين الأمرين؟ لأن الأمور المالية فيها حقوق المساهمين والمتعاملين، حقوق الغير، أما الحدود فهي خاصة بالأفراد، ومع ذلك شدد الشرع الحنيف الإشهار كي يتعظ الجميع. هناك مؤسسات كثيرة تحت مسمى «الجمعية» كالجمعيات الخيرية، وعندما أساء بعض منتسبيها إلى جمعيتهم بصورة من الصور، تم نشر ما حدث منهم مع مقاضاتهم، وجمعية حقوق الإنسان تتناول مشكلات الناس بكل شفافية ووضوح، وغيرها من الجمعيات، فجمعية «حماية المستهلك» تتقيد بحماية المستهلك بكل شفافية وعدم إخفاء المتسببين مراعاة لمشاعر أسرهم أو عشائرهم أو قبائلهم، بل إن عشائرهم وقبائلهم يهمها أن تعرفهم بالتحديد حتى تأخذ الحيطة والحذر وكذلك بقية الناس. ويعلم الجميع وكذلك المنتسبون لجمعية «حماية المستهلك» أن الحياة على وجه البسيطة خاضعة للأنظمة الكونية القائمة على نظرية «الديناميكا والستاتيكا»، أي التحولات والتغيرات، والثابت غير المتحول، فهناك قبائل قديمة لم يعد لها وجود أو قلَّ عددها، وكذلك قبائل منتشرة في الصومال، وقبائل عربية أخرى منتشرة في أفريقيا ومناطق أخرى من العالم، وهناك قبائل تبدأ أسماؤها ب « بنو»، وقبائل بجنوب الجزيرة تبدأ ب «با»، وهكذا، فهل يعني التستر وعدم التشهير يكون فقط لكل المنتسبين لهؤلاء؟ وأن بقية البشر لا قبائل لهم حتى لو بلغ عددهم الملايين؟ وبالتالي نتجنب التشهير بحسب القوميات أو الشعوب! فلا يبقى التشهير بأحد، ونحتاج عندئذ للبحث عمن نستطيع التشهير به، وهذا وهم وخيال. تعليمات وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين واضحة بتوفير سبل العيش الكريم للمواطنين كافة – بلا استثناء – وكذلك القياده الرشيدة، التي لا تخشى فى الله لومة لائم، فلا تستثني أحداً من المساءلة والمحاسبة، وذلك وفق الهَدْي النبوي الشريف، إذ قال صلى الله عليه وسلم: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، الحديث، ليس في تنفيذ أحكام الله مراعاة لنفسيات عشائر أو قبائل أو أفراد مهما كانت مكانتها، «فمن غشنا فليس منا»، والغاش أو الغشاش لن يستطيع الاحتماء تحت عباءة القبيلة. الحرب في حق لديك شريعة ومن السموم النافعات دواء داويت مُتَّئِداً وداوَوْ طفرة وأخف من بعض الدواء الداء الحرب على الفساد، الحرب ضد الظلم، الحرب ضد المخدرات، الحرب ضد الإرهاب، الحرب ضد التطرف والتشدد، ولا يمكن التخلص من المفسدين والقضاء عليهم بالتستر عليهم مراعاة لنفسيات من ينتسبون إليهم، سواء الأسرة أو العشيرة أو القبيلة، بل بعلنية المواجهة والتعامل، وذلك ابتغاء مرضاة الله وتنفيذ أحكامه فى المخالفين والمفسدين، وذلك أجدر وأصح من الخجل أو الحياء من إظهار أسمائهم بالكامل «ولا حياء في الدين»، بل إظهار الأسماء يساعد القبيلة على التعرف على العضو الفاسد حتى يمكن اتخاذ موقف واضح منه. ياسين البهيش - جدة [email protected]