ألغت باكستان الاحتفالات الرسمية والشعبية بالذكرى ال63 لاستقلالها وانفصالها عن الهند، بسبب أسوأ مأساة انسانية في تاريخها نجمت عن كارثة الفيضانات. وقال رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني إن بلاده تواجه اسوأ أزمة إنسانية «لكن الحكومة والشعب سيتمكنان من التغلب عليها وإعادة بناء البلاد». وبدأت الأوساط الرسمية الباكستانيةوالأممالمتحدة الحديث عما يمكن أن تسفر عنه الفيضانات من مآس وخسائر، إذ أشار جيلاني في خطابه إلى بلوغ عدد المتضررين 20 مليون شخص، حيث يتواصل هطول الأمطار في مناطق عدة، فيما اجتاحت سيول الفيضانات قاعدة شهباز الجوية في مدينة جاكوب أباد التي أخليت من سكانها. وتتابع الحكومة تحويل مجرى المياه عن مدينة ملتان جنوب البنجاب، تزامناً مع تحذيرات حكومية ودولية من اجتياح السيول مناطق واسعة في السند. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي كان متوقعاً وصوله إلى إسلام آباد، سيصطحب كبار المسؤولين الباكستانيين في جولة على متن مروحية إلى المناطق المنكوبة، من أجل الاطلاع على حجم الأضرار. ويرجّح أن تطلب إسلام آباد من بان الدعوة لعقد مؤتمر دولي من أجل تقديم الدعم المالي ومؤازرتها في هذا الظرف الصعب. لكن خبراء باكستانيين قللوا من إمكان الحصول على دعم واسع خصوصاً من البلدان الغربية، بعد الاتهامات المتكررة لإسلام آباد بالوقوف إلى جانب «طالبان - أفغانستان» وعدم الجدية في مواجهة مسلحين قبليين متشددين. وعرضت الحكومة الهندية تقديم دعم بقيمة خمسة ملايين دولار، غير أن إسلام آباد لا تزال مترددة في قبول العرض المتزامن مع ادعاءات نيودلهي بمسؤولية باكستان عما يشهده الجزء الهندي من كشمير من تظاهرات وأعمال معادية. وقدّر البنك الدولي خسائر باكستان في المحاصيل الزراعية نتيجة الفيضانات بأكثر من بليون دولار، فيما أعلنت حكومة إقليم بيشاور إن خسائر الإقليم تصل إلى 2.5 بليون دولار، نتيجة تهدم مئات الآلاف من المنازل وخراب أراض زراعية واتلاف محاصيلها ودمار هائل حلّ بقنوات صرف للمياه وطرق وجسور، فضلاً عن خسائر بشرية بلغت 1500 قتيل. ويدرس البنك الدولي اعادة برمجة معونة تقدر بنحو 900 مليون دولار، كما أعلن رئيسه روبرت زوليك. وحذر صندوق النقد الدولي من ضرر اقتصادي بالغ، وأكدت وزارة المال الباكستانية إنها لن تتمكن هذا العام من تحقيق هدفها بلوغ نسبة الناتج المحلي الإجمالي معدّل 4.5 في المئة. وكانت الحكومة توقعت أن يصل عجز الموازنة في 2010 -2011 إلى 4 في المئة من الناتج المحلي، لكن محللين يعتقدون بأنها قد تصبح 6 في المئة، بعد أضرار الفيضانات في بلد يعتمد اقتصاده على الزراعة. وتوقع خبراء اقتصاديون أن يكون حجم الخسائر أكبر بكثير، إذ إن المياه لم تتلف المحاصيل في الحقول إنما أتلفت التربة وجعلت من المتعذر زراعتها في وقت قريب، إضافة إلى هدم القنوات المائية المتصلة بالأنهار. كما أن الفيضانات بما جرفته من أتربة وأسمال وما اختلط فيها لوثت مصادر مياه الشرب. ونتج من ذلك انعدام هذا المورد في الأماكن المتضررة وسهّل تفشي الأمراض، وأعلنت السلطات اكتشاف أول إصابة بالكوليرا. ومع تواصل هطول الأمطار، تعثرت جهود الإغاثة ما فاقم النقمة الشعبية على الحكومة التي عجزت عن استجابة متطلبات المتضررين. وفي محاولة لتخفيف حدة النقمة، التقى جيلاني زعيم المعارضة نواز شريف في لاهور، كما دعت الحكومة إلى مؤتمر للأحزاب للتشاور في سبل تقديم الدعم للمتضررين. لكن أحزاباً ناقمة أعلنت مقاطعتها الاجتماع، متهمة الحكومة بالفشل والعجز عن مواجهة أكبر كارثة إنسانية حلت بالبلاد. وفيما تخوفت الأممالمتحدة والبلدان الغربية من نشاط الإغاثة المتزايد لجمعيات محلية متهمة بصلتها بتنظيمات إسلامية متشددة، أكدت الحكومة أن انشغال الجيش الباكستاني في عمليات الإنقاذ لن يؤثر في موقفه من الجماعات المسلحة في مناطق القبائل أو الحرب على الإرهاب. لكن كثيرين في باكستان يجزمون بصعوبة تجاوز الحكومة الجماعات الإسلامية، في ضوء ما قدمته من خدمات إنسانية، وإنقاذها عشرات الآلاف من الأشخاص وإيوائها من هدمت السيول بيوتهم ولم يتلقوا أي دعم حكومي.