بات واضحاً أن «حزب الله» في لبنان يتعامل مع الانتخابات البرلمانية المقبلة على أنها محطة مهمة جداً بالنسبة اليه. على عكس ما كان يقول انها مجرد عملية سياسية، في النظام اللبناني. هذا التغيير الكبير العلني للموقف من هذه الانتخابات واهميتها لا يهدف الى تعبئة ناخبيه، المحسومة اتجاهات اقتراعهم سلفا. كما انه ليس مرتبطا بظرف استجّد خلال الاسابيع الماضية حيث كان لا يزال يأخذ على خصومه في قوى 14 آذار تضخيمها لأهمية الاستحقاق الانتخابي. قد يكون «حزب الله» اعتمد سياسة التهدئة والمرونة منذ بدء تنفيذ اتفاق الدوحة. لكنه في الواقع تعامل مع الفترة، الممتدة منذ انتخاب رئيس الجمهورية حتى الانتخابات البرلمانية، على انها مرحلة انتقالية. عليه ان يعد خلالها لمعاودة استثمار ما بات يعتبره امينه العام «يوما مجيدا في تاريخ المقاومة»، وهو اليوم الذي سيطر فيه مسلحو الحزب وأنصاره على بيروتالغربية وسعوا الى التمدد في مناطق اخرى. وذلك في عملية عسكرية واسعة حيّدت، لأيام طويلة، القوى الامنية الشرعية ودور الدولة في النظام العام. أي أن هذا «اليوم المجيد» انطوى على ضرب الخصوم الداخليين بقوة السلاح من أجل تغليب وجهة نظر سياسية. وانطوى ايضاً على ضرب أي دور للدولة، ليصبح المسلحون هم الأسياد، سياسياً وأمنياً. بما يلغي كون الحزب، كما يقدم نفسه، طرفاً من الأطراف الداخليين. وليصبح فوق الآخرين، يقرر عنهم ولهم، بما يخدم مصلحته السياسية والايديولوجية. وهو القادر، على إدارة بلد «أكبر مئة مرة من لبنان»، كما قال السيد حسن نصرالله. او على الأقل يطمح الى السلطة، بما في ذلك في لبنان. خصوصاً ان «الدرس الذي لقنه» الحزب لخصومه في السابع من أيار العام الماضي قابل للتكرار، ما دام ثمة من يريد في لبنان ان يفصل بين الحزب المقاوم والحزب السياسي، ويريد تنظيم سلاح الحزب داخل الدولة والتعايش السلمي معه كطرف سياسي. يبدو ان «حزب الله» لم يعد يقبل بهذه المعادلة التي حكمت علاقته بالاطراف الاخرى، خصوصاً خصومه، في الفترة الماضية، وهي الفترة التي تميزت بطاولة الحوار. ثمة معادلة علنية جديدة، ستُفرض بعد الانتخابات. فإذا جاء المجلس الجديد بغالبية تؤيد الحزب، ستكون هذه المعادلة تحصيل حاصل، عبر الحكومة الجديدة التي سيشرف الحزب، عملياً، على تشكيلها. واذا جاءت غالبية تعارض هذه المعادلة، فإن إمكانات تحييد مفعول الانتخابات متوافرة للحزب، سواء عبر التمسك بالثلث المعطل للعمل الحكومي او عند الضرورة بالعودة الى تكرار السابع من أيار. حصلت العملية العسكرية في بيروت في ظل الفراغ الرئاسي، الناتج اصلا عن امتناع الحزب عن المشاركة في جلسات انتخاب الرئيس المنتهية ولايته. وتكرارها في ظل الرئيس المنتخب يفرض توفير مقدمات، بدأت تظهر ملامحها سواء عبر ممارسات الحزب وحلفائه، خصوصاً التيار العوني، داخل الحكومة الحالية. او سواء في السجال السياسي. وهي ممارسات تصب كلها في اطار التشكيك في كون الرئيس ما زال «توافقياً» وفي حياديته بين الأطراف. بما يضرب صدقية الرئيس كرأس للسلطة التنفيذية، بعد الحملة العنيفة على السلطة القضائية، وقبلها تعطيل السلطة التشريعية. أي النيل من المؤسسات الدستورية القائمة وامتداداتها الادارية على نحو لا يبقي إلا قوة الأمر الواقع. في موازاة ذلك، ثمة سعي الى استغلال شبكات العملاء لحساب اسرائيل، لوضع مقاييس جديدة لمعنى تقديم الخدمات للدولة العبرية. فهذا الكشف يؤكد استمرار استهداف الحزب من اسرائيل. وهذا أمر مشروع ومبرر. لكن القضية لم تعد تتعلق بالتخابر مع الاستخبارات الاسرائيلية، وانما تتوسع لتشمل كل من لا ينخرط في سياسة الحزب. وليتحول الخصوم السياسيون الى اعداء. رئاسة غير محايدة واعداء ينتشرون في البلد. هذا ما تحاول الحملة الاعلامية ل «حزب الله» ان تمهد به للوضع، بعد الانتخابات النيابية. ولذلك باتت هذه الانتخابات بالنسبة اليه فائقة الأهمية.