لم يكن أهل مكةالمكرمة ولا المقيمون بها ولا حتى زوارها القادمون إليها في كل عام لأداء الحج والعمرة يعتقدون أو يجزمون ولفترة قريبة أن مدينتهم المحببة إلى نفوسهم ستحوي بين جنباتها أبراجاً عملاقة، تضاهي في طولها وارتفاعها أعرق وأكبر المدن العالمية، ولم يكن هذا الاعتقاد موجوداً لديهم حتى وهم يشاهدون عجلة البناء والتشييد تدب في أرجاء المكان الذي لا يفصله عن الكعبة المشرفة سوى أمتار قليلة. وأكد أستاذ التاريخ في جامعة أم القرى الدكتور عدنان الحارثي ل«الحياة» أن فكرة بناء الأبراج العملاقة في محيط الحرم المكي الشريف ليست وليدة اليوم أو اللحظة، ولكنها تعد امتداداً لفكرة حضارية قديمة مستقاة من تاريخ العصور الإسلامية السابقة، كونها تحقق أولاً المجاورة الشرعية لشريحة كبيرة من الناس كانوا زواراً أو معتمرين أو حجاجاً للبيت، إضافةً إلى إسهامها في مد يد الإنفاق والكفاية لكل ما يحتاجه المسجد الحرام من خدمات ومستلزمات ونفقات موظفين ونحوه. وأشار إلى أن الأبراج العالية ستؤثر حتماً في إيجاد ثقافة جديدة ومغايرة خصوصاً لسكان مكة، والتي تعد لهم هذه التجربة فريدة وجديدة من نوعها، وستنسج من خلالها العديد من علامات المستقبل، لافتاً إلى أن هذه الأبراج وبحكم حداثتها على المجتمع المكي خصوصاً ستعطي دلالات معينة لرسم منهجية جديدة في الفكر والتعامل والأسلوب لدى معظم السكان، كونها تعد معلماً كبيراً ومهماً ومشاهداً في معظم الأحياء المكية المجاورة للحرم أو حتى تلك التي تبعد عنها بأميال خصوصاً إذا ما علمنا أن الأبراج تعد أعلى الواجهات في مكة. وشدد على أن وجود الأبراج لم يفقد الحرم المكي هيبته أو يخطف منه الأضواء، بسبب أن بناء الأبراج جاء أصلاً لخدمة زوار البيت وقاصديه، وليس لأمر آخر، فهو إلى جانب أنه يقدم عملاً استثمارياً مربحاً لسكان مكة، فهو في الوقت ذاته يوفر الحاجات المختلفة لحجاج وزوار البيت، وهذا يعطي مدلولات كبيرة على أن توافق المبنى يكون جزءاً من البنيوية التاريخية للمكان. ولم تكن قصة بناء أبراج الملك عبدالعزيز أحلاماً نسجت من الخيال أو حبالاً لفت من الرمال، بسبب أن الحكومة السعودية أقرت وبشكل رسمي تشييد تلك الأبراج في عام 2002، في قرار هدفت من خلاله إلى وقف منافعه على أعمال الحرم المكي، ونفقاته، ولم تكتف بذلك بل أعلنت نفسها المسؤول الأول عن الإشراف ومتابعة هذا المنجز حتى أتمت إنشاءه في عام 2006 وافتتحته رسمياً في 20/1/2007. من جانبه، أكد أستاذ الاقتصاد المعياري في جامعة أم القرى الدكتور محمد الزهراني أن الأبراج ستجر فوائد اقتصادية عدة على السكان، والشبان الطامحين الراغبين في إيجاد فرص عمل لهم، وقال ل«الحياة»: «إن بناء الأبراج الشاهقة وناطحات السحاب لا يعدّ بذخاً اقتصادياً في الأساس، بل هو نوع من التوسع العمراني العمودي قليل الكُلفة». مشيراً إلى أن بناء الأبراج ينطوي على فنون عمرانية وزهو ببلوغ أعلى مستويات العلم والتقنية، إضافةً إلى كونه أحد مظاهر الحياة الحديثة». وأكد أن تطوير الأبراج الشاهقة يسهم اقتصادياً وبيئياً في تطوير المواصلات العامة بشكل كبير وزيادة ربحيتها، لما تتسم به تلك الأبراج من كثافة سكانية تتركّز في مكان محدّد، وذلك عكس الضواحي السكنية والقرى»، لافتاً إلى أن «استخدام الطاقة في الأبراج الشاهقة يعدّ أقل نسبياً عنه في المباني المتعدّدة». وكشف أن الأبراج توفر للاقتصاد المحلي خدمات، في الوقت الذي يوفر هو نفسه فرصاً وخدمات أخرى تدعم النشاط الاقتصادي، وتدفع النمو وتوفّر فرص عمل، فضلاً عن تأثيرها الإيجابي في قطاع البحث العلمي، ودعم استخدام التقنيات الحديثة». ورأى أن «الإنسان يبحث عن التوسع العمودي الذي يعمل على زيادة اتصال البشر ببعضهم بعضاً، كما أن من فوائد الأبراج الاقتصادية أنها تستغرق وقتاً أطول في عملية التطوير، التي غالباً ما تصاحبها زيادة النشاط الاقتصادي خلال تلك الفترة، ونمو الوظائف». لافتاً إلى أن «بناء الأبراج يتطلب الإنفاق على البحث العلمي، الذي يعد قطاعاً مهماً يساعد في تطوّر المجتمعات، إضافة إلى الجانب الجمالي الذي توفّره، كونها تعبّر عن عظمة أصحاب البلاد وقدرتهم على البناء».