دفقت القضايا المطلبية والاجتماعية في لبنان إلى الشارع مرة أخرى، بعد سنوات من إهمالها من الطبقة السياسية، ومن تعطيل المجلس النيابي والحكومات السابقة نتيجة الخلافات التي عصفت بها، فشكَّل انعقاد المجلس النيابي في جلسات تشريعية وبدء حكومة الرئيس تمام سلام نشاطها، مناسبةً للطبقات الفقيرة والمتوسطة كي تكرر طرح مطالبها وتسعى إلى تحقيقها من دون الركون إلى الوعود وانتظار انقضاء الاستحقاقات الدستورية، لاسيما الانتخابات الرئاسية التي باتت داهمة مع دخول مهلتها الدستورية من دون ظهور مؤشرات بعدُ على إمكان اتفاق الفرقاء على اختيار الرئيس الجديد قبل 25 أيار (مايو) المقبل. (راجع ص 6 و7 ) وشهد الشارع اللبناني اعتصامات وتحركات نقابية بلغت عرض البحر، حيث عبّر متطوعو مديرية الدفاع المدني عن إصرارهم على تثبيتهم عبر ابتداع نوع جديد من الاحتجاج، بالسباحة من الشاطئ إلى ما لا نهاية، حتى يقر قانون التثبيت، فكان لهم ما أرادوا، إذ أقره البرلمان في وقت كان بعضهم بدأ رحلته وسط الأمواج في المياه الباردة، ما وفر مخاطر على الذين اعتمدوا هذا الأسلوب الاحتجاجي فعادوا من عرض البحر بعد أن كانوا قطعوا مسافة غير قصيرة سباحة. وشلّ الإضراب القطاع العام في لبنان بدعوة من هيئة التنسيق النقابية احتجاجاً على استمرار النقاش في اللجان النيابية المشتركة حول تأمين الواردات لسلسلة الرتب والرواتب مخافة تأثير كلفتها على الاقتصاد والوضع المالي. ونفذ الموظفون والمعلمون، الذين انضمت إليهم فئات اجتماعية عديدة ذات مطالب وحقوق، اعتصاماً في ساحة رياض الصلح أثناء انعقاد الجلسة النيابية، شاركهم فيه المستأجرون المتضررون من قانون الإيجارات الجديد، وغيرهم من الفئات، مثل المتعاقدين مع وزارة الإعلام، الذين أوقفوا بث «الوكالة الوطنية للإعلام» والإذاعة الرسمية اعتراضاً على عدم تثبيتهم. وكان يمكن الاعتصام أن يستمر (على بعد زهاء 150 متراً من مقر البرلمان)، بيد أن التصعيد الذي هددت به هيئة التنسيق النقابية أول من أمس دفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى إيفاد أحد نوابه إلى قادة التحرك النقابي، داعياً إياهم إلى التريث في تصعيدهم، وواعداً بإنجاز السلسلة قبل يوم الأحد المقبل، فاستجابوا له. وفيما كان بري دعا اللجان النيابية المشتركة إلى الاجتماع بعد ظهر اليوم، عجَّل في إنهاء الجلسة النيابية وإقرار قانون تثبيت متطوعي الدفاع المدني، كي تنعقد اللجان المشتركة لاستكمال البحث في الواردات المطلوبة لتغطية أعباء سلسلة الرتب والرواتب على الخزينة. وارْفَضَّ الاعتصام النقابي مترافقاً مع تدابير أمنية مشددة سدت المنافذ إلى مقر البرلمان، وواكبت «الحياة الاعتصام وتحرُّك متطوعي الدفاع المدني أمام شاطئ الرملة البيضاء، وروى المحتجون نماذج عن معاناتهم استدرجت موجة من التعاطف معهم. وتسابق نواب مختلف الكتل النيابة على تأكيد تبنيهم تثبيت المياومين وتبني إقرار سلسلة الرتب والرواتب. وتبرأ بعضهم من إقرار قانون الإيجارات الجديد (في الجلسة التشريعية الأسبوع الماضي). وعلقت هيئة التنسيق النقابية إضرابها حتى الأحد، بناء لوعد بري بحل المشكلة، وأعلن عضو الهيئة حنا غريب رفضها تجزئة تقديماتها (الزيادة على الرواتب تبلغ 121 في المئة) وتخفيضها وتقسيطها، فيما قال نقيب المعلمين نعمة محفوض: «سنعود إلى الشارع في حال لم تقر السلسلة»، مبدياً الثقة بوعد بري. كما رفض النقابيون تمويل السلسلة بضرائب جديدة، خصوصا أن من الأفكار المطروحة رفع دعم الخزينة عن فاتورة الكهرباء، ما يرفع قيمتها على المواطنين. كما طرحت فكرة رفع الضريبة على فوائد الودائع المصرفية من 5 إلى 7 في المئة... وسبق اجتماع اللجان النيابية لقاء تشاوري ضم إلى بري رئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ونائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري ووزير المال علي حسن خليل لمناقشة أفكار مطروحة في شأن تأمين إيرادات للخزينة. وبموازاة حمى الاعتصامات والتحركات النقابية والشعبية حول القضايا المتراكمة، بدأت طلائع تطبيق الخطة الأمنية في البقاع الشمالي تظهر، عبر نشر بعض حواجز الجيش وقوى الأمن الداخلي، لاسيما بين بعلبك والهرمل، تمهيدا للانتشار في مناطق أخرى وتوقيف المطلوبين. وسحب «حزب الله» حواجزه المتبقية في المنطقة. وأدى حادث استهداف دورية للجيش ليل أول من أمس في منطقة القموعة في عكار شمالاً، والذي استشهد بنتيجته ضابط ورتيب، إلى حملة تعاطف مع الجيش من فعاليات المنطقة ونوابها. ولاحقت قوى الجيش الفاعلين، الذين تواروا إلى بلدة فنيدق وتبادل النار معهم. وأفاد بيان للجيش بأن أحد المتورطين بالاعتداء أوقف، فيما عُثر على مطلق النار على الدورية جثة هامدة بعد انتحاره، وهو من المطلوبين بمذكرات توقيف عدة.