حين تهدأ، قليلاً، حدة الأخبار السياسية والنزاعات المسلحة (هل تهدأ حقاً؟)، تحتل أخبار الكوارث الطبيعية صدر نشرات الأخبار. وهكذا تحولت الفضائيات، في الأيام القليلة الأخيرة، إلى شاشات متخصصة في نقل صور الكوارث من الصين الى الولاياتالمتحدة الأميركية، مروراً بالباكستان وموسكو... في الصين قتل العشرات وفقد المئات وتضرر عشرات الآلاف بانزلاقات سببتها فيضانات، في حين تغطي الدخان الكثيف سماء العاصمة الروسية بسبب حرائق الغابات، وفي باكستان فاقم هطول الأمطار الموسمية من معاناة المتضرررين من أسوأ كارثة فيضانات في تاريخ باكستان، خلفت 12 مليون منكوب، وقضت على ما يقرب من 1600 شخص، أما في الولاياتالمتحدة فالأعاصير تنشط، بين حين وآخر. وقد أظهرت إحدى الفضائيات كيف ان اعصاراً حوّل منزلاً ريفياً «أثراً بعد عين». هكذا هي الصورة، إذاً، بشر في العراء يعيشون في رعب وهلع، بعد ان فقدوا ممتلكاتهم البسيطة ومنازلهم «المتداعية» أصلاً. عيون دامعة إثر فقد الأحبة تنظر بخجل الى العدسة الفضولية، وهي تتجول بين الركام والحطام في سبيل الحصول على توليفة مصورة ترضي المنتظرين في المكاتب المرفهة. السؤال الذي يبرز هنا هو، إلى أي مدى يحق للفضائيات أن توظف صور المعاناة، وأن تعرض على الملأ مشاهد الخراب والدمار الذي حل بالمنكوبين؟ يعترض البعض على هذه الملاحقة الفضائية المحمومة، إذ يرون أن الفضائيات تحوّل المآسي الى مجرد «معرض مسلٍ للصور، وتتاجر بأرواح الضحايا»! في الواقع الفضائيات ليست شريرة الى هذا الحد، فهي تعكس الحدث ولا تصنعه، خصوصاً اننا نتحدث، هنا، عن الكوارث الطبيعية. لكن ذلك لا يلغي ضرورة وجود «اعتبارات أخلاقية» تحرص على مشاعر المنكوبين، وتحول دون عرض مشاهد ومقاطع مؤذية، حتى وإن كان السبيل للحصول عليها شاقاً وقاسياً. وهنا أيضاً تبرز مسألة أخرى تتمثل في المتاعب والصعوبات التي يواجهها المصورون والمراسلون حتى يتمكنوا من الوصول الى منطقة الكارثة والعودة بهذه الصور المؤلمة، والمعبرة، فإزاء الاعتراض السابق في شأن حدود الفضائيات في عرض محن البشر، ثمة من يدعو الى توجيه التحية لرجال «مهنة المتاعب» على تكبدهم عناء البحث عن الصور الجارحة، لا بدافع من ارضاء «غرور مهني»، بل سعياً للوصول الى الحقائق والأرقام وحجم الأضرار التي تتكتم عليها، عادة، الجهات والمنابر الرسمية أو تحاول التقليل من خطورتها. ومع الإقرار بأن البحث عن الحلول ليس من مهمة الفضائيات، والاعلام في شكل عام، فإن السعي الى نقل الصورة الحقيقية للكارثة، يجبر الجهات المعنية الى إظهار المزيد من الاهتمام بضحايا ومشردين تقطعت بهم السبل، وهم يرنون بحرقة في انتظار من ينقذهم من غضب الطبيعة الذي يتجلى بكل عنفوانه وثقله ودمويته على الشاشة؛ العاجزة، آنئذ، عن تجميل المشاهد التي تنطق بآلاف الكلمات المريرة، حتى من دون تعليق!