أصدر المركز القومي للترجمة في القاهرة، النسخة العربية من كتاب «محاضرات في الإخراج السينمائي: دروس خاصة من أفضل مخرجي العالم»، إعداد وتحرير «لوران تيرار»، وترجمة محسن ويفى. في هذا الكتاب يتحدث «لوران تيرار» إلى 21 مخرجاً من أفضل مخرجي السينما في العالم، من بينهم جون بورمان، وودي آلان، مارتن سكورسيزي، أوليفر ستون وجان - لوك غودار، وغيرهم من أهم صانعي الأفلام، طالباً من كل منهم أن يتحدث عن فنه بغية الوصول إلى جوهر وسر صنعته. وهكذا يكشف هؤلاء المخرجون عن رؤيتهم وحرفيتهم السينمائية ما يجعلنا نعي ما الذي يجعل كلاً منهم موهبة فريدة واستثنائية. يذكر أن المحرر «لوران تيرار»، درس الإخراج السينمائي في جامعة نيويورك، ويعمل ناقداً سينمائياً، إضافة إلى أنه أخرج فيلمين قصيرين هما «مصادر موثوق فيها»، و»غداً... يوم آخر». كما أن محسن ويفي مترجم الكتاب، ناقد سينمائي، له الكثير من الدراسات والمقالات المؤلفة والمترجمة في العديد من الدوريات والمجلات والصحف المصرية والعربية، كما له عدد كبير من الكتب نذكر منها «العالم السينمائي عند توفيق صالح»، «السينما والحداثة»، و»عين الكاميرا». في هذا الكتاب يرى تيرار أن هذا العمل ليس كتاباً في حرفة السينما وتقنياتها المختلفة وإنما هو كتاب خاص بالإبداع السينمائي عند مجموعة من أفضل مخرجي السينما في أميركا وأوروبا وآسيا. أما السؤال الأساسي الذي يطرحه الكاتب فهو: كيف يمكن أن تتخلق خصوصية المخرج وبصمته الخاصة؟ يقول تيرار: إن الكلام عن الحرفية أخذ حيزاً من هذه المحاضرات وبالذات الجزئية الخاصة بنوع العدسات التي يفضلها كل مخرج عند إخراجه لأفلامه، ولكن على رغم ذلك فالحديث عن الحرفة هو صنع خاص بالإبداع، وقد أجاب معظم المخرجين عن هذا السؤال ب: «إنه من الأهمية بمكان أن نعرف أولاً لماذا نضع الكاميرا في هذا الموضع أو ذاك، لأن وضع الكاميرا هو جزء من رؤية المخرج السينمائية للعمل كله». والكتاب يهتم أساساً بسؤال «لماذا؟» أكثر من سؤال «كيف؟». وفي التحليل النهائي لماذا هي التي تصنع أو تبدع فيلماً عابراً للحظة الآتية ويتجاوزها إلى لحظات تاريخية قادمة أيضاً. ويقول الناقد محسن ويفي: هل هذا كله من أجل الجمهور أم من أجل ذات المخرج فحسب؟ أو في معنى آخر هل تفكر في الجمهور الواسع عند صنعك للفيلم أم ماذا؟ هي أسئلة إذن في الإبداع السينمائي تظهر جلية وظاهرة مرات، وأحياناً قد نفهمها من بين السطور في الحديث عن حرفية الإخراج عند ذلك المخرج أو ذاك. ولكي نتأكد من ذلك يكفي أن نعرف أن بعضاً من المخرجين هم مخرجون يعرفون جيداً بأنهم مخرجو أفلام إثارة وتشويق، وهم في سبيل تحقيق ذلك لا بد أن يهتموا بالحرفة السينمائية باعتبارها شغلهم الشاغل ولكنهم يسعون في الوقت نفسه إلى وضع بصمة خاصة بإبداع سينمائي على أفلامهم نراها واضحة في كل فيلم بعد الآخر، فهذا المزيج المدهش من الإبداع السينمائي يرتبط تماماً بالبصمة الخاصة بكل مخرج - أو ما يسمى نقدياً بالأسلوب الخاص بالمخرج - ويتجلى في التوغل بين أسرار الصنعة المحددة لكل مخرج. وهذا هو نفسه ما يبين الدافع الأساسي لكل من المخرجين في صنع السينما وهو أيضاً الذي يكشف عن سحر السينما وخصوصيتها البديعة كفن. أما الكاتب فيتساءل: لماذا يريد هذا الشخص أو ذاك العمل في إخراج الأفلام؟ لماذا يريد إخراج هذا العمل بالذات؟ وكيف يمكنه عمله؟ وما الوسائل السينمائية التي يستخدمها في سبيل تحقيق ذلك؟ وما وجهة النظر السينمائية والفكرية التي لا بد أن يتضمنها عمله هذا؟. فهناك قواعد نحوية لصنع الأفلام - كقواعد النحو- أساسية، بالنظر إلى أن إخراج الفيلم هو لغة وليست هناك لغة من دون قواعد نحوية. ولكن هناك من يرى العكس أي أنه ليست هناك قواعد لصنع الأفلام، فكل فيلم يخلق لغته الخاصة مع الأخذ في الاعتبار أنه مهما كان مستوى تحضيرك لفيلم ما، سيجبرك الواقع على ارتجال بعض من قراراتك في موقع التصوير. أما النتيجة النهائية فهي أن البصمة الحقيقية هي أن تصنع بحق مخرجاً عظيماً لذا تعد الأفلام السينمائية سبيلاً لخلق جسر بين المخرج وبقية العالم.