بدأت الجهات القضائية الجزائرية في وقف المتابعات بحق عدد كبير من المسلحين الذين سلموا أنفسهم للإفادة من عفو طرحه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. وكشفت مصادر قضائية ل «الحياة» أن الرئاسة «حلت المأزق الذي واجهه قضاة بسبب تقييد المصالحة في وقت سابق بستة أشهر، وأبلغتهم بوقف المتابعات في ملفات محددة والفصل في أخرى أفاد أصحابها من المصالحة في جزء ودينوا بالحق العام في جزء أخر». وتواصل مجالس قضائية في وسط البلاد، خصوصاً في تيزي وزو والبويرة في منطقة القبائل، إصدار وثائق تفيد بوقف المتابعات القضائية ضد مسلحين سابقين كان من الصعب عليهم في وقت سابق التنقل بين الولايات بحكم تداول أسمائهم ضمن قوائم المطلوبين، على رغم إفادتهم من المصالحة في وقت سابق. وشرع القضاء كذلك في التعاطي مع ملفات مطلوبين كانوا يتمتعون سابقاً باللجوء السياسي في الخارج، لكنهم عادوا إلى الجزائر بعد إقرار المصالحة. وسحبت محكمة الجنايات لدى مجلس قضاء العاصمة أول من أمس ملف أحد قدامى «الجماعة المسلحة» نهائياً من جدول الجنايات بعد تقديم دفاعه «وثيقة السلم والمصالحة الوطنية» التي أفاد منها المتهم وتسلمها من السفارة الجزائرية في ألمانيا. وكان المتهم ملاحقاً في قضية قتل تمت تبرئته منها خلال الدورة القضائية الماضية ليدرج اسمه في قضية «إرهاب» لوحق فيها بتهمة الانخراط في تنظيم، جزء منها بموجب القانون العام وجزء آخر بموجب المصالحة، ما أبقى ملفه مطروحاً للاجتهاد القضائي ثلاث سنوات. وأرجئت القضية مرات عدة بطلب من الدفاع لمنحه الوقت الكافي. وأصدر بوتفليقة أمراً بتسوية بعض الملفات العالقة ذات الصلة بميثاق السلم والمصالحة، قضائياً واجتماعياً، لتسهيل حصول عائلات ضحايا الاغتيالات والتفجيرات على المساعدات المالية المخصصة لهم، فضلاً عن إجراء جديد يتعلق بإلغاء ديون ضحايا العمليات الإرهابية المتضررين اقتصادياً لدى الضرائب والبنوك. ويبقى أمام الحكومة ملف واحد لم يشهد أي تقدم يخص المعتقلين الذين أرسلتهم أجهزة الأمن إلى معتقلات سرية في الصحراء، ويفوق عددهم 18 ألف شخص، بسبب عدم وجود قرارات اعتقال قضائية، بل قرارات إدارية من وزارة الداخلية، وهو ما يتطلب اتخاذ حل سياسي لمعالجة القضية. ويضاف إلى هؤلاء ضحايا الحبس الموقت، ويفوق عددهم 1000 شخص، تم حبسهم لمدد تتراوح بين 6 أشهر و5 سنوات. توسيع صلاحيات قضاة الارهاب وفي موازاة ذلك، عدلت السلطات من تعاطيها القضائي مع الملفات التي تتصل بقضايا الإرهاب. وقال مسؤول قضائي رفيع ل «الحياة» إن الهيئة القضائية المتخصصة في قضايا الإرهاب التي تأسست أخيراً، «منحت قضاتها صلاحيات واسعة لبحث سجلات الاتصالات الهاتفية والمعاملات البنكية للمتهمين، والتحقيق في اتجاهين بدل اتجاه واحد، أي تبرئة المتهم أو إدانته بدل البحث عن إدانته فقط». وكان عمل قضاة التحقيق يقتصر على البحث في إدانة المتهم، مع ترك البحث عن أدلة البراءة للمحامين، ما كان سبباً في تكرار الصدامات بين القضاة وهيئات الدفاع. وستسهل الهيئة الجديدة أيضاً التعامل مع القضاة الأجانب في الملفات التي تتصل بشبكات إرهابية في الخارج. وجاء قرار إنشاء الهيئات القضائية (المعروفة باسم الأقطاب) بهدف تدعيم العدالة باختصاصيين في متابعة الجرائم ذات العلاقة بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب والفساد المالي. وأوكلت المهمة إلى قضاة تقول السلطات إنهم خضعوا لتدريب في معهد القضاء الفرنسي على متابعة الملفات الكبرى ذات العلاقة بالجريمة المنظمة العابرة للحدود والإرهاب وتكوين العصابات وقضايا النصب والاحتيال الواسع النطاق وتبييض الأموال. وأشار المصدر إلى أن محاكم محلية تنازلت عن قضايا «إرهاب» كبيرة للهيئة الجديدة المتمركزة في العاصمة، مثل التحقيق في تفجيرات 11 كانون الأول (ديسمبر) 2007 التي استهدفت مراكز حيوية في العاصمة وأدت إلى مقتل أكثر من 50 شخصاً، وقضايا أخرى من محكمة دلس (50 كلم شرق العاصمة) تخص شبكات متشعبة وقضية «أمير كتيبة الفاروق» في «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» تواتي أمين، وهو آخر من سلموا أنفسهم لمصالح الأمن. وجاء تدريب القضاة الجدد في إطار اتفاقات الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة ومكافحة الاتجار في المخدرات والمواد السامة ومكافحة الفساد، وكذا الاتفاق الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب، إضافة إلى أساليب التحري والتحقيق المنصوص عليها في التعديل الأخير لقانون الإجراءات الجزائية.