يحتار معلقون إسرائيليون في قراءة دوافع رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو للحملة المكثفة التي يقودها أخيراً لإقناع وسائل الإعلام المستقلة والتجارية الرائدة بحكمة قيادته شؤون الدولة العبرية من خلال لقاءات مطولة يجريها معهم يقدم فيها إيجازات وتفاصيل عن سياساته في المجالات المختلفة. وجاء لافتاً اللقاء الذي تم الأسبوع الجاري مع صحيفة «هآرتس» الليبرالية المحسوبة على اليسار الصهيوني، ووسيلة الإعلام الوحيدة التي تتبنى موقفاً واضحاً ضد حكومات اليمين على خلفية استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ما عرّضها إلى مضايقات متواصلة من سدنة الدولة وأحزاب اليمين تنعكس أساساً في مقاطعتها تجارياً بفعل تأليب الجمهور اليميني عليها. وتساءل معلق الشؤون الحزبية في الصحيفة يوسي فيرطر أمس عن دوافع هذه اللقاءات التي يجريها نتانياهو، لكنه أبقى الأجوبة مفتوحة في ما إذا كان الغرض منها «لائحة دفاع استباقية» لتقرير «مراقب الدولة» المتوقع قريباً في شأن قصور العدوان الأخير على قطاع غزة قبل عامين، أو تحقيق الشرطة معه في شبهات فساد مالي، أو ربما سعيه إلى تحسين صورته في نظر الإسرائيليين «الذين سئموا جلوسه على كرسي أرفع منصب» لعشر سنوات، منها سبع متتالية، فيما بعض وسائل الإعلام يلصق به صورة القائد «الزعيم المرهق والهستيري الذي لا يفعل شيئاً باستثناء البحث عن سبل البقاء على كرسيه». ويلخص المعلق لقاء الساعات الأربع بين نتانياهو وطاقم محرري «هآرتس» وكبار مراسليها، بأنه خرج بانطباع أن نتانياهو ما زال يشعر بأنه في أوج طاقته، وأن الدولة بحاجة لبقائه في منصبه، «حتى أنه يعتقد أنه لم يخطئ، وأنه لولا سنوات حكمه العشر وسنتان أخريان وزيراً للمال لكانت إسرائيل اليوم دولة عالم ثالث، ضعيفة ومهزومة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً... إنه يعيش هذا الفيلم». من جهته، خرج أحد أبرز كتاب الأعمدة في الصحيفة اليساري جدعون ليفي من اللقاء بانطباع بأنه وزملاءه التقوا في مكتب رئيس الحكومة «رجلاً هائجاً وهستيرياً متشدداً يؤمن بعدالة طريقه، ذا ميول نرجسية، متكبراً ومليئاً بالتناقضات، تحركه أيديولوجيا متصلبة ومتطرفة لن تسمح له ذات يوم بالصالحة في أمور يعتبرها مهمة، إذ أنه يؤمن فقط بالقوة، قوة الجيش والاقتصاد والتكنولوجيا»، وباعتقاده أن السلام لن يعود بفائدة اقتصادية على إسرائيل. وأردف الكاتب: «في مكتب رئيس الحكومة، يجلس شخص يجلب الكارثة على إسرائيل». وخلص إلى القول إن ما قدمه نتانياهو خلال الساعات الأربع كان «مسرحية لممثل واحد يتضامن مع الشخصية التي يؤدي دورها بنجاح كبير، ويدفع بعض الجمهور إلى تصديقه في بعض الوقت على الأقل». مع ذلك، ختم الكاتب مقاله بالقول إن «نتانياهو موجود في مكتبه كي يبقى فيه، وإزاء المرشحين لخلافته، فإننا قد نشتاق له»، في إشارة إلى غياب مرشحين «من الوزن الثقيل»، سواء في اليمين أو الوسط الذي يبدو أنه فقد كل أمل في العودة إلى الحكم. ولعل ما حصل الأسبوع الجاري في اللجنة المركزية لحزب «ليكود»، يؤكد خلاصة ما كتبه ليفي عن غياب منافسين أقوياء، إذ نجح نتانياهو في ليّ ذراع رئيس اللجنة الذي يتمتع بأوسع نفوذ في مؤسسات «ليكود»، وزير النقل يسرائيل كاتس الذي نجح الأربعاء في تمرير قرارات في اللجنة تقيّد حرية نتانياهو في تعيين موظفين كبار من مقربيه في هيئات الحزب، ما اعتبره مراقبون «انتصاراً لكاتس». ولم يرق لنتانياهو ما حصل، فاستدعى الوزير على عجل ليوبخه ويرغمه على إلغاء القرار وتعيين أحد مقربيه نائباً للمدير العام للحزب. وخنع كاتس لمطلبه خشية أن يقوم نتانياهو بإقالته، وسط أنباء بأن الأخير استقبل وزيره بمكتوب إقالة ينقصه التوقيع. واعتبر مراقبون أن «انبطاح كاتس» شكل نهاية آخر معقل منافس لنتانياهو داخل حزبه.