في تجاهل للاستياء الذي أبدته تركيا، دافع وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك عن خطاب له تم تسريبه ووصف خلاله رئيس الاستخبارات التركية الجديد حقان فيدان بأنه «صديق لإيران» وقد يسرب أسراراً استخباراتية إسرائيلية، وقال للإذاعة الإسرائيلية أمس لدى سؤاله عن التصريحات: «انها لم تخرج عن حدود اللياقة لأنها ببساطة حقيقية، وهذا أمر يزعجنا حقاً». وتزامن ذلك مع استدعاء تركيا ديبلوماسياً اميركياً رفيع المستوى للاعتراض على ما اعتبرته محاولة لتحديد تفويض تحقيق الأممالمتحدة في شأن الهجوم الإسرائيلي على «اسطول الحرية» الذي كان يحمل مساعدات انسانية الى غزة. وكان باراك أدلى بهذه التصريحات في 25 تموز (يوليو) أمام منتدى مغلق، ثم أذيعت لاحقاً، ما دفع تركيا الى التقدم باحتجاج للسفير الإسرائيلي أول من أمس. وأوضح باراك أمس: «في نهاية المطاف، أشرت الى شيء قائم على حقائق واقعية، وهي حقاً مزعجة. ليست لنا مصلحة في مفاقمة الأمور، وآمل في ألا تكون لتركيا مصلحة أيضاً». وعكست مخاوف باراك في شأن رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركي الجديد التوترات المتأججة منذ فترة طويلة مع حليفة إسرائيل المسلمة السابقة والتي اشتعلت حين قتلت قوات كوماندوس إسرائيلية تسعة أتراك على متن «أسطول الحرية» الذي حاول اختراق الحصار الإسرائيلي لغزة نهاية أيار (مايو) الماضي. وعلى رغم إحجام إسرائيل عن الاعتذار عن الحادث كما تطالبها أنقرة، إلا أن الدولة العبرية حاولت رأب الصدع وألغت نصيحة لمواطنيها بعدم السفر الى تركيا، ما أبعد السياح عن منتجعاتها، كما وافقت على السماح للأمم المتحدة بإجراء تحقيق في الغارة على أسطول المساعدات المتجه الى قطاع غزة. وقال مسؤول إسرائيلي أن ثلاث سفن تركية محتجزة من القافلة ستعود الى تركيا اليوم بعد أن تخلت إسرائيل عن شرط أن يوقع مالكوها تعهداً بعدم محاولة كسر الحصار المفروض على غزة مجدداً. وفي كلمته، عبر باراك عن قلقه من أن بعد تعيين فيدان في أواخر أيار قد تصبح أسرار إسرائيل التي أطلعت عليها تركيا «متاحة لإيران على مدى الأشهر المقبلة». وكان فيدان في ما سبق مستشاراً للسياسة الخارجية لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي انتقد إسرائيل بشدة لمعاملتها للفلسطينيين. كما كان ممثل بلاده بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وشارك في محادثات أجرتها تركيا والبرازيل تتعلق بخطة لمبادلة الوقود النووي. وكانت الدولتان تأملان في أن يساعد هذا الاتفاق على نزع فتيل التوتر المتزايد في شأن برنامج إيران النووي الذي يعتبره الإسرائيليون مصدر تهديد. وتقول إيران إن برنامجها سلمي، لكن إسرائيل تعتبره مصدر تهديد لوجودها. ورحب الأتراك بتحقيق الأممالمتحدة في حادث اعتراض القافلة الذي أعلن عنه الاثنين، لكنهم تضايقوا من تأكيدات أميركية من أن هذا التحقيق لن يكون «بديلاً» عن تحقيقين إسرائيليين داخليين رأت أنقرة أن نطاقهما ضيق للغاية. في غضون ذلك، استدعت تركيا ديبلوماسياً اميركياً رفيع المستوى للاعتراض على ما اعتبرته محاولة لتحديد تفويض تحقيق الأممالمتحدة في شأن الهجوم الإسرائيلي على «اسطول الحرية» الذي كان يحمل مساعدات انسانية الى غزة. وأفاد ديبلوماسي تركي لوكالة «فرانس برس» امس ان مساعد رئيس البعثة في السفارة الأميركية في انقرة دوغ سيليمان استدعي الى وزارة الخارجية «لتأنيبه»، بعد ان اعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تشكيل لجنة من اربعة عناصر للتحقيق في الهجوم الذي ادى الى مقتل تسعة اتراك. وتم توجيه التأنيب اثر تعليقات لسفيرة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة سوزان رايس قالت فيها ان تحقيق الأممالمتحدة «ليس بديلاً» للتحقيق الداخلي الذي تقوم به اسرائيل وتركيا. وقال الديبلوماسي التركي ان «الولاياتالمتحدة تنظر الى اللجنة من منظار ضيق. لقد كان تصريح (رايس) يوحي بأن الولاياتالمتحدة تحدد عمل اللجنة». كما اعترضت انقرة على الرأي الأميركي بأن الهدف من اللجنة هو اصلاح العلاقات التي كانت متينة بين اسرائيل وتركيا وانتهت الى ازمة بعد الهجوم في 31 ايار (مايو). وأضاف الديبلوماسي ان «الهجوم مسألة بين المجتمع الدولي وإسرائيل، وليس بين تركيا وإسرائيل. كان على متن تلك السفن اشخاص من ثلاثين دولة». وتابع ان «مهمة اللجنة هي التحقيق في الحادث. ليس واجبها الصفح عن اسرائيل او تحسين العلاقات بين اسرائيل وتركيا». من جهة اخرى اعلن منظمو «اسطول الحرية» عزمهم ارسال اسطول جديد الى القطاع قبل نهاية العام، وذلك إثر اجتماع عقدوه في ستوكهولم امس. وقال الناطق باسم الفرع السويدي لحركة «سفينة الى غزة» المناصرة للفلسطينيين درور فيلر في تصريح لوكالة «فرانس برس»: «سنرسل اسطولاً (جديداً) اذا لم يرفع الحصار» الاسرائيلي عن القطاع. وأضاف: «سننطلق قبل نهاية العام، ونحن عملياً واثقون من ان الاسطول سيكون اكبر من سابقه، ستكون هناك سفن اكثر عدداً وأكبر حجماً». وتابع: «لن نقبل ان نخضع للمراقبة والتفتيش من جانب اسرائيل». أعرب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة امس عن امله في ان تحصل اللجنة التي شكلها للتحقيق حول الهجوم الإسرائيلي على «اسطول الحرية»، على تعاون اسرائيلي شبيه بالتعاون الذي وعدت به الدولة العبرية فريق العمل الدولي الذي شكله الامين العام للامم المتحدة في الموضوع. وقال رئيس المجلس (ومقره في جنيف) سفير تايلاند سيهاساك فوانكيتكيو: «امل في ان تنخرط السلطات الاسرائيلية في شكل ايجابي في هذه المهمة لأن هدفها ليس الادانة». وكان مجلس حقوق الانسان صوت في 2 حزيران (يونيو) على قرار يقضي بالموافقة على انشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة لدرس «الهجمات الخطرة التي شنتها القوات الاسرائيلية على اسطول سفن تحمل مساعدات انسانية». كما عيّن المجلس في 23 تموز (يوليو) فريقاً يضم ثلاثة خبراء للتحقيق في ما اذا كان الهجوم الاسرائيلي ينتهك القانون الدولي. وانتقدت اسرائيل الاسماء المقترحة لعضوية هذه اللجنة، اذ قال مسؤول اسرائيلي رفيع المستوى ان خطوة من هذا النوع جاءت سابقة لأوانها لكون الدولة العبرية شكلت لجنة تحقيق خاصة بها. ورفضت اسرائيل حتى الاثنين اي تعاون مع التحقيق الدولي، الا ان حكومتها رضخت للضغوط الدولية ووافقت للمرة الاولى على المشاركة في فريق آخر شكله الامين العام للامم المتحدة للتحقيق في الهجوم على «اسطول الحرية». وتعمل هذه المهمة الدولية بالتوازي مع عمل لجنة التحقيق المشكلة من جانب مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، الا ان رئيس المجلس أكد ألا «تداخل» بين عمل اللجنتين. واضاف ان مهمة مجلس حقوق الانسان «ستركز على الاسئلة المرتبطة بحقوق الانسان»، مشيراً الى ان عمل اللجنة التي شكلها بان كي مون سيكون «اكثر اتساعاً». وتابع ان اللجنة التي شكلت في نيويورك «ستنكب على دراسة الوقائع والظروف والإطار العام» للقضية، وستصدر توصيات للتحذير من تكرار حوادث مماثلة. ومن المنتظر أن يرفع مجلس حقوق الانسان تقريره عن الهجوم على «اسطول الحرية» خلال الدورة المقبلة للامم المتحدة المرتقب عقدها بين 13 ايلول (سبتمبر) والاول من تشرين الاول (اكتوبر).