يبدو أن رئيس البرلمان، سليم الجبوري، خرج «سليماً» من الهزة التي خلفها وزير الدفاع، خالد العبيدي، حين رمى عليه ونواب من السُنّة، تهماً بالمشاركة بعقود فاسدة لمصلحة المؤسسة العسكرية، لكن الشكوك ظلت تلاحق المؤسستين التشريعية والقضائية في العراق، لا سيما في القدرة على كشف ملفات الفساد. وكان وزير الدفاع، وجه خلال جلسة البرلمان التي انعقدت يوم 1 آب (أغسطس)، لاستجوابه، اتهامات مباشرة بالفساد إلى رئيس البرلمان وعدد من النواب، بينهم عالية نصيف وحنان الفتلاوي ومحمد الكربولي وطالب المعمار. بدوره أمر رئيس الوزراء حيدر العبادي بتشكيل لجنة تحقيق في الأمر، كما أصدر أمراً بمنع سفر موقت لكل من ذكر اسمه أو وجهت إليه تهم خلال جلسة الاستجواب في البرلمان. وفي 3 آب (أغسطس)، أعلن مكتب الجبوري رفع الأخير دعوى قضائية ضد وزير الدفاع، بتهمة «السب والقذف وإهانة مؤسسات الدولة السيادية»، منوهاً بأنه لا بد من أن يطلع الشعب على حقيقة «الأكاذيب التي بثها العبيدي»، على حد تعبيره. لم يمر حديث العبيدي عن الفساد، لا سيما قوله إن العقود المشبوهة التي كادت تبرم تتعلق ب «إطعام الجنود»، من دون أن يتحمس الشارع العراقي له، وسرعان ما اعتبره كثيرون «بطلاً» جديداً يمثل العراقيين. وبدا العبيدي، وهو من تحالف القوى الذي ينتمي إليه الجبوري، منساقاً إلى هذا المناخ الحماسي، حيث زار بعد ساعات من جلسة استجوابه مرقد الإمام الكاظم شمال بغداد، وفي طريقه حظي باستقبال عاطفي من قبل زوار المرقد. وبعد يومين، واصل العبيدي «لعبة» التأثير الإعلامي حين أظهر شريط فيديو بثته وزارة الدفاع العبيدي ومعه ضباط وجنود يحملون إلى هيئة النزاهة ملفات قال إنها أدلة على ما قاله في جلسة الاستجواب. تقول مصادر مطلعة، إنه في الليلة السابقة لجلسة الاستجواب، أبلغ العبيدي رئيس الوزراء، حيدر العبادي، نيته الذهاب إلى البرلمان وأن يكون مُستجوِباً وليس مستجوَبَاً. وأن «يخرج ما بجعبته من ملفات ضد الجبوري»، المصادر تضيف، «العبادي كان مستاءً من استدعاء وزير دفاعه للاستجواب في ذروة الاستعداد لمعركة استعادة الموصل من تنطيم داعش». سياسياً، شعرت القوى السنية بأنها تلقت طعنة من الظهر، ومن حليف أو شخصية سُنّية هي من قدمتها ورشحتها لمنصب وزير الدفاع. تقول مصادر من الحزب الإسلامي، الذي ينتمي إليه رئيس البرلمان، إن قادة الحزب شعروا بالغدر، وأن حلفاءهم في التحالف يرغبون بالإطاحة بالحزب. في الخامس من آب (أغسطس)، وصل إياد السامرائي إلى منزل سليم الجبوري للنظر في الخطوة التالية التي من المفترض أن يقوم بها الجبوري، ومعه الحزب، للرد على ما فعله العبيدي. وفي اليوم التالي، أصدر الحزب بياناً أكد فيه «التمسك» بالجبوري، وقال إن مزاعم استبداله «مجرد أكاذيب»، وإن تهم الفساد التي صرح بها وزير الدفاع «قصص من الخيال». لكن، شخصية تقف في الصف السياسي الذي يمثله الجبوري، أظهرت نوعاً من التخلي عنه، فأسامة النجيفي، زعيم تحالف القوى قال إن حتى لو برأ القضاء ساحة الجبوري فإنه «لم يعد صالحاً لمنصبه لأنه فشل في أداء المهمات الموكلة إليه». والحال، أن أزمة استجواب العبيدي، كشفت الوضع الهش لتحالفات القوى السنية، فلطالما يشكو السنة من «الاهتزازات» المتأتية من كتل أخرى، التحالف الوطني (الشيعي) على وجه الخصوص، بدءاً من الخلافات الجوهرية بين الفريقين انتهاءً بقدرة القوى الشيعية على استقطاب شخصيات سنية لصفها، كما كان في عهد الحكومة السابقة حين ظهر مصطلح «سُنّة المالكي». لكن في حالة وزير الدفاع ظهر أن القوى السنية تمر داخلياً بأزمة تهدد قوة تحالفاتها. يقول مصدر من داخل التحالف السني، إن الأجواء داخل «اتحاد القوى» قبل استجواب وزير الدفاع كانت تشير إلى وجود محاولات من قادة الصف الثاني تحاول «إسقاط» قادة الصف الأول، والجبوري من بينهم، وهذا يلتقي مع مصلحة قوى شيعية نافذة. ثمة محور أفقي موازٍ للأزمة، حيث تحاول الشريحة السياسية السنية للموصل، التفوق على النخب السياسية في الأنبار وصلاح الدين وديالى من أجل الظفر بزعامة المشهد السنّي. شهد اجتماع لقادة التحالف السني في منزل أسامة النجيفي، نقاشات صاخبة، وفق مصادر من داخل الاجتماع، أفادت بأن القادة توصلوا بعسر إلى اتفاق لترميم الوضع السنّي الذي تعرض إلى هزة قوية، وحمايته، لكن ليس إلى الأبد، إذ من الواضح أن الترتيبات اللاحقة التي حدثت تشير إلى أن الجبوري، ومعه الحزب الإسلامي، سيكون في وضع سياسي مختلف مع اتحاد القوى خلال الانتخابات المقبلة. في المقابل، يقول النائب عن تحالف القوى، خالد العلواني، في تصريح ل «الحياة»، إن «الحديث عن تكتلات جديدة داخل التحالف سابق لأوانه». وأضاف: «ما يهم الآن أن تحالف القوى تجاوز الأزمة التي يمر بها». في التاسع من آب (أغسطس)، تم كل شيء في ساعتين، حيث قدم سليم الجبوري طلباً «طوعياً» لرفع الحصانة عنه ليمثل أمام القضاء للتحقيق معه في تهم الفساد التي وجهها العبيدي، وبعد نحو ساعة واحدة فقط أعلن مجلس القضاء براءة الجبوري وإغلاق ملف الدعوى، ورفع حظر السفر عنه، الذي وضع قيده رئيس الوزراء حيدر العبادي في اليوم الثاني لجلسة الاستجواب، ما أثار استغراب ناشطين من سرعة استجواب القضاء، خصوصاً بعد تأخر البت في قضايا رفعتها منظمات مدنية، كما في الدعوى المرفرعة ضد تعطيل عمل البرلمان عام 2014، والدعوى ضد نظام المحاصصة الطائفية المتبعة في توزيع المناصب الحكومية. في حين تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الاتحادية قبلت الدعوتين ولم تبت فيهما إلى اليوم. وبعد اعتراضات على «سرعة القضاء» أصدرت الهيئة التحقيقية بياناً قالت إن التحقيق مع الجبوري يمكن أن يفتح مرة أخرى في حال ظهرت أدلة جديدة، قبل أن تقرر هيئة النزاهة الطعن في قرار غلق الدعوى، في إشارة إلى استمرار الأزمة على الأقل خلال الفترة المقبلة. في نهاية المطاف، يبدو أن أزمة وزير الدفاع كشفت مسارين متوازيين للصراع السياسي الدائر في العراق وتتمثل بقدرة النظام السياسي على حماية ملفات الفساد المزعومة من الكشف، أو استعمالها من دون حقائق في الصراع. أما ثاني المسارات، فهو الوضع الهش للتحالفات السياسية وتسببها بتغييرات سريعة في موازين القوى.