لم يكن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون مرتاحاً إلى موقف رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام من الاستحقاق الرئاسي الذي أعلن فيه أن هناك حكماء من الشخصيات المارونية، ومن بينهم المرشحون الأربعة، لانتخاب أحدهم رئيساً للجمهورية. وهذا ما دفعه إلى معاودة تحريك اللقاءات الثنائية بين «التيار الوطني الحر» وبين حزب «القوات اللبنانية» في محاولة للتفاهم على قواسم مشتركة تتعلق بقانون الانتخاب الجديد، مع أنه كان أخذ يعيد النظر في طعنه بشرعية المجلس النيابي بذريعة أنه ممدد له على أمل أن ينتخبه رئيساًَ. وعلمت «الحياة» أن انزعاج عون من موقف الرئيس سلام هذا جاء بعدما توارد إليه عن حقيقة ما دار من تداولات، وتحديداً في اجتماعي زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري، وقبل أن يغادر إلى الخارج في إجازة عائلية، مع رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط، إذ تبين أن ما يقال من حين إلى آخر عن تبدل في موقفهم من الاستحقاق الرئاسي لمصلحته ليس في محله، وأن قرارهم ثابت حتى الساعة في دعم ترشح زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية. وفي هذا السياق، قالت مصادر وزارية ونيابية إن اجتماعي الحريري مع بري وجنبلاط انتهيا إلى وضع النقاط على الحروف بشكل لم يعد معه من مجال للاجتهاد في إمكان تبدّل مواقفهم، مع أن الأخير كان صرح في أكثر من مناسبة بأن لا مانع لديه من انتخاب عون إذا كانت مصلحة البلد تقتضي ذلك وأنه يتمتع بتأييد مسيحي واسع. ولفتت إلى أن الاستحقاق الرئاسي عاد إلى المربع الأول، وقالت إن الحريري لم يعد، من وجهة نظر عون، العائق الوحيد في وجه عدم وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى. واعتبرت المصادر نفسها أن عون أظهر ارتياحه بقرب انتخابه رئيساً، معتمداً على بعض المواقف التي تصدر عن هذا الطرف أو ذاك في الوقت الضائع، وقالت إن «حزب الله»، بدعم من القيادة الإيرانية، لا يحبذ انتخاب الرئيس في الوقت الحاضر، لكنه لا يعيق انتخابه في حال توافرت له الضمانات بأن حليفه عون سيكون صاحب الحظ في التربع على سدة الرئاسة من دون أي منافس. وكشفت المصادر هذه أن الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله لم يغلق الباب في خطابه الأخير في الذكرى العاشرة للعدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز (يوليو) 2006، في وجه عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، لكن مسؤولين في الحزب كانوا أشاروا في لقاءاتهم مع عدد من الأطراف بعيداً من الأضواء، إلى أن فتح الباب على مصراعيه لمصلحة الحريري يتطلب من الحكومة طي صفحة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة المتهمين في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ووقف تمويلها والتعامل معها كأنها لم تكن. وتابعت أن «حزب الله» لن يأخذ على عاتقه القيام بحملة لوقف عمل المحكمة الدولية وإنما سيطلب من الحكومة العتيدة التي تشكل فور انتخاب رئيس جديد أن تتولى مثل هذه المهمة من دون أن يكون له دور مباشر في هذا المجال. واعتبرت المصادر أيضاً أن تشدد «التيار الوطني» في رفضه تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي والتمديد له لسنة جديدة وأخيرة يكمن في أمرين: الأول يتعلق باشتراطه التلازم بين التمديد وبين انتخاب عون رئيساً للجمهورية، والثاني يعود إلى ما ينقل عن لسان جهات دولية، وتحديداً الولاياتالمتحدة الأميركية، من أنها لا تمانع في تعيين قائد جيش جديد مع أنها تعتبر أن وجود قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية يعتبر ضمانة، وأن هناك حاجة للتمديد له، لدوره في مكافحة المجموعات الإرهابية والتكفيرية. ورأت أن المجتمع الدولي يبدي حرصاً شديداً على دعم الاستقرار في المؤسسات الأمنية وأولها المؤسسة العسكرية وبالتالي لا يحبذ أي مساس باستقرارها في ظل انعدام التوازن في المؤسسات الدستورية مع تعذر انتخاب رئيس جديد وعدم قدرة الحكومة على الإنتاجية وتعطيل التشريع في البرلمان. لكن موقف الولاياتالمتحدة لا ينطلق من اعتراض أو مآخذ على أداء قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية بمقدار ما أنها تتطلع إلى ما سيكون عليه مستقبل الوضع في لبنان في حال استحال على البرلمان انتخاب رئيس وتعطل دور الحكومة وانعدم التشريع في البرلمان. وبالتالي تسأل عن تأثير هذه العوامل السلبية على المؤسسة العسكرية، لجهة أن انتهاء فترة التمديد لقهوجي سيقود حتماً إلى الفراغ على رأس المؤسسة العسكرية إذا لم يصر إلى تجاوز كل هذه السلبيات. لذلك تسأل الولاياتالمتحدة أيضاً عن إمكان تفادي الفراغ في المؤسسة العسكرية وهل من مانع من تعيين قائد جيش جديد، مع أن موقفها هذا يبقى استباقياً لقطع الطريق على شمولية الفراغ في جميع المؤسسات. ويمكن أن يكون عون أراد أن يستغل الحذر الأميركي، فسارع إلى التأسيس عليه على رغم أنه يعرف سلفاً أن الاستقرار في المؤسسات الأمنية والعسكرية يبقى من وجهة نظر المجتمع الدولي، بمثابة خط أحمر من غير الجائز المساس به. وهو يحاول الآن استخدامه من باب الابتزاز على رغم أنه يدرك أن موقفه من التمديد لقهوجي لن يصرف في مكان، باعتبار أن الأطراف مجمعون على تأجيل تسريحه، وأن جنبلاط ليس بعيداً منه بعدما قرر، وعلى طريقته، أن يسحب تحفظه عنه. قانون الستين أو التمديد للبرلمان على صعيد آخر، يبدو -كما تقول مصادر نيابية بارزة ل «الحياة»- أن الوقت بدأ يضيق أمام التوصل إلى قانون انتخاب جديد في ضوء تعليق اجتماعات اللجان النيابية المشتركة المكلفة وضع مشروع قانون في هذا الخصوص والتريث إلى حين بدء الدورة العادية للبرلمان في أول ثلثاء بعد الخامس عشر من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وتؤكد المصادر نفسها أن بدء هذه الدورة لا يعني بالضرورة أن البرلمان سيتوصل إلى إنتاج قانون انتخاب جديد في ظل تعدد المشاريع بدءاً باعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النظام النسبي أو قانون يجمع بين النظامين المختلط والنسبي وبينهما اعتماد قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بتقسيم لبنان إلى 13 دائرة انتخابية استناداً إلى النظام النسبي، من دون تغييب القانون الأرثوذكسي الذي يتمسك به «التيار الوطني» في مقابل مطالبة حزب «الكتائب» بتقسيم لبنان إلى دوائر انتخابية فردية. وتلفت المصادر هذه إلى أن النقاش في البرلمان سيبقى يراوح مكانه بين هبة باردة وأخرى ساخنة وصولاً إلى تبني قانون الستين الذي لا يزال نافذاً أو التمديد للبرلمان لسنة واحدة مع أنه سيلقى معارضة من الحراك المدني. وتنقل المصادر عينها عن قطب سياسي بارز قوله أمام زواره إن القانون الجديد سيبقى خاضعاً لمؤيد من هنا ومعارض من هناك إلى أن يدرك الجميع أن القديم سيبقى على قدمه، أي لا خيار إلا بإعادة الاعتبار لقانون الستين الذي يفتقد إلى الغموض البناء وسيوصل إلى البرلمان كتلاً نيابية ستكون «نسخة طبق الأصل عن الكتل الحالية مع تعديل طفيف في ميزان القوى لن يبدل بطبيعة الحال من الموجود حالياًً، وبالتالي هناك استحالة أمام تحقيق عون خرقاً يوظفه في ترجيح كفته الرئاسية على منافسه فرنجية. مخاوف مشروعة من انتخاب الرئيس أولاً الى ذلك، يقول القطب السياسي نفسه، إن بري قد يكون محقاً في وجهة نظره في طرحه إمكان التفاهم على سلة كاملة تتعلق برئاسة الجمهورية وبقانون الانتخاب الجديد وبتشكيل الحكومة الجديدة. ويعزو السبب إلى أن تغييب البحث في هذه السلة أو رفضه سيؤدي حتماً إلى تفخيخ الحل المنشود للأزمة اللبنانية، لأن فك الارتباط بين هذه البنود سيدفع في اتجاه وضع العصي في دواليب التسوية وزرع ألغام متعددة من شأنها أن تعطل الجهود الرامية لبلوغها، خصوصاً إذا كانت الأكثرية النيابية تقف إلى جانب ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة. وبالنسبة إلى الصراع السياسي الدائر حول لمن تكون الأولوية، لانتخاب الرئيس أو لوضع قانون انتخاب جديد تجري على أساسه الانتخابات النيابية ليتولى البرلمان الجديد انتخاب الرئيس، يرى القطب السياسي هذا أن الأكثرية، وإن كانت ترجح كفة انتخاب الرئيس أولاً، فإن عدم ممانعتها تغليب الخيار الثاني عليه تقود حتماً إلى السؤال عن مدى جدية المخاوف من السير بواحد من هذين الخيارين في ظل تعذر التفاهم على ضمانات. وبكلام آخر، يسأل عن مدى جدية ما يشاع عن أن قوى مسيحية فاعلة ستشترط انتخاب الرئيس قبل انتخاب البرلمان على أن يرأس جلسة انتخابه النائب الأكبر سناً في البرلمان الجديد؟ كما يسأل عمّا تحمل التداعيات السياسية المترتبة على انتخاب رئيس من دون أن تكون هذه العملية مقرونة بانتخاب رئيس البرلمان والتفاهم على الحكومة الجديدة، ويؤكد أن من يتمسك بالتوافق على السلة السياسية أولاً يتوخى منها قطع الطريق على تربع الرئيس على سدة الرئاسة تاركاً البلد في شلل قاتل. وعليه، فإن موعد استئناف الحوار الوطني الموسع في الخامس من أيلول (سبتمبر) المقبل سيكون حاسماً حول إذا ما تعاطى معه الأطراف المشاركون بنيات حسنة في تبديد الشكوك التي تساور مخاوف معظم القوى السياسية، وإن كان البعض يتعامل منذ الآن مع الدعوة المقبلة لانتخاب الرئيس في السابع منه على أنها محاولة لضخ آمال جديدة لإنهاء الشغور الرئاسي الذي يبدو حتى إشعار آخر أنه سيكون مديداً ما لم تطرأ تطورات تخرجه من دوامة الانتظار المميت، لا سيما أن الحماسة النيابية في الاستجابة لدعوة بري إلى تراجع.