يفتتح الأسبوع السياسي في لبنان على أحداث واجتماعات سوف تحكم الدينامية السياسية للمرحلة المقبلة، وتنعكس على المشهد السياسي الذي يراوح بين الشلل في المؤسسات والخلافات الحكومية بفعل الشغور الرئاسي. فرئيس البرلمان نبيه بري يترأس ظهر اليوم اجتماع اللجنة النيابية المصغرة المؤلفة من 11 نائباً يمثلون مختلف الكتل النيابية، لدراسة قانون الانتخاب الذي تعذر التوافق عليه منذ عام 2012، وتشهد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مرحلة جديدة مع الاستماع لشهادات عدد من الرموز السياسية سيفتتحها صباح اليوم الوزير السابق النائب مروان حمادة، والتي ينتظر أن تظهر فيها وقائع حول ما سبق الجريمة وتبعها. وهي شهادات تشمل شخصيات مهمة، ستظهر تباعاً أمام المحكمة من بينها مستشارون للحريري، ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة. ويترقب الوسط السياسي مصير جهود إطلاق الحوار بين تيار «المستقبل» و «حزب الله»، والمواضيع التي سيتناولها في ظل مداولات تمهيدية بعيداً من الأضواء حول سبل مقاربة هذا الحوار وجدول أعماله. إلا أن أهمية اجتماع اللجنة النيابية المعنية بقانون الانتخاب، تكمن في أنها ستعكس ما آلت إليه العلاقات بين الفرقاء في ضوء التمديد للمجلس النيابي، وسط ترقب لمصير الطعن الذي تقدم به نواب «التيار الوطني الحر» أمام المجلس الدستوري بقانون التمديد والذي سبقه شبه التزام أو وعد من الرئيس بري بتحريك البحث في القانون، فضلاً عن تنشيط المشاورات في شأن إنهاء الشغور الرئاسي، حتى لا يقود التمديد إلى تكريس هذا الشغور فترة طويلة بعد ضمان استمرار السلطة التشريعية وتجنب الفراغ فيها. وتسجل أوساط سياسية مختلفة جملة من التطورات في خريطة العلاقات بين الفرقاء نتيجة الفرز السياسي الذي أحدثه التمديد، من دون أن يمس بالتحالفات البعيدة المدى في شأن الانتخابات الرئاسية، كالآتي: 1 - إن زوار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ينقلون عنه تفاؤله بإمكان الاتفاق على قانون الانتخاب، قاعدته المشروع الذي توصّل إليه حزبه مع تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي في أيار (مايو) 2013، والذي يدمج بين النظامين النسبي (44 أو 45 في المئة) والأكثري (55 أو 56 في المئة) في انتخاب النواب. ويستند جعجع في تفاؤله هذا إلى وعد الرئيس بري بإنهاء عمل اللجنة النيابية خلال 30 يوماً، وسط معلومات مصادر نيابية أن بري بات أقرب إلى هذا المشروع مع رغبته و «حزب الله» في تعديله ليصبح توزيع انتخاب النواب مناصفة على النظامين النسبي والأكثري. 2 - إن علاقة بري مع «القوات» شهدت تحسناً نوعياً نتيجة وقوفها مع التمديد وتغطيتها له، وفي قراءة أوساط محايدة أن بري بإصراره على تصويت القوات إلى جانب التمديد حرصاً منه على الميثاقية، أعطى جعجع صفة القوة المسيحية الكبرى، وإن لم تكن الأقوى، القادرة على تأمين ميثاقية خطوة التمديد، وقدّر لها هذا الموقف مقابل تراجع علاقته بزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الذي كان وعده بحضور جلسة التمديد على رغم أنه سيصوت ضده، إلا أنه أخلف بهذا الوعد وقاطع الجلسة، وهذا ما يفسر تراجع علاقته بعون بدليل استمرار الاشتباكات الكلامية بين وزيريه ووزيري التيار في اجتماعات الحكومة، على رغم محاولات حليف الفريقين «حزب الله» التخفيف من حدتها. وفي المقابل يرى بري أن «القوات» حققت مكسباً على المدى الطويل بوقوفها إلى جانب التمديد لتعذر إجراء الانتخابات النيابية بفعل ظروف البلد. وترجم بري موقفه من عون بتخليه عن مشروع اللقاء الأرثوذكسي لقانون الانتخاب (يقضي بانتخاب كل مذهب لنوابه على النظام النسبي) والذي كان يساير عون في طرحه منذ 2013 على رغم عدم اقتناعه به. لكن أوساطاً سياسية وسطية رأت أن جعجع كسب أكثر في العلاقة بين الفرقاء الذين كانوا يتخوفون من حلول موعد انتهاء ولاية البرلمان في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) من دون حصول التمديد وتعذر إجراء الانتخابات النيابية فيقع البلد في الفراغ الذي يقود إلى مؤتمر تأسيسي يؤدي إلى نسف اتفاق الطائف، لو أن بري اضطر إلى تأجيل جلسة التمديد نتيجة خلل في ميثاقيته بفعل رفضه من المكونات المسيحية الحزبية الوازنة في الطائفة المارونية. وتنسب هذه الأوساط إلى جهات دولية وعربية حريصة على عدم المس باتفاق الطائف وعلى تجنب أي خلل في لبنان يقود إلى إعادة النظر فيه. ومنها دول أعضاء في مجلس الأمن فضلاً عن المملكة العربية السعودية، التي تنظر إلى موقف جعجع على أنه خطوة مهمة ومفصلية. 3 - إن التمديد معطوفاً على إعلان الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله استعداده للحوار مع تيار «المستقبل»، إضافة إلى أنه تحوّل إيجابي في المشهد السياسي اللبناني يعزز جهود الحؤول دون الفتنة السنية الشيعية... يفتح الباب على قلق مسيحي، في بعض الأوساط الضيقة، من أن يؤدي إلى اتفاق المكونين الرئيسيين في الطائفتين على رئاسة الجمهورية المسيحية، وهذا القلق دفع العماد عون إلى إعلان تمسكه بترشحه للرئاسة بموازاة تبني نصرالله له في خطاب الانفتاح على «المستقبل»، منعاً لأي تأويل، والى إعلان تكامله الوجودي مع الحزب، ليلاقيه الأخير بالحديث عن أنهما جسد واحد، تبديداً للقلق. وفي اعتقاد أوساط سياسية ترصد تفاعلات التمديد والحوار بين «المستقبل» و «حزب الله» أن «حزب الله» أراد إحداث توازن مع احتمال تصاعد الخلاف بين حليفيه عون وبري، في وقت لا يبدو أن الحوار مع «المستقبل»، الذي يحتاجه الطرفان، لأن البلد ككل مأزوم ويحتاج إلى تقاربهما، سينطلق سريعاً. فالقلق المسيحي منه واكبه تمهّل من «المستقبل» طالما أن الحزب يتمسك بعون، في شكل يصعّب البحث بمرشح توافقي. وإذ كسب عون تشدداً من الحزب في تبني ترشيحه، فإن «المستقبل» اختار إجراء مشاورات مع بري الذي التقاه السنيورة ونادر الحريري، ومع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي التقاه الحريري أيضاً مرتين، للبحث معهما في انضاج هذا الحوار، كونهما في أساس تشجيع الطرفين عليه. وتدور المشاورات على تحديد جدول أعمال هذا الحوار، وتحديد المقاربة الأفضل لبدئه، انطلاقاً من الأولوية التي طرحها زعيم «المستقبل» الرئيس سعد الحريري في النقاط السبع التي طرحها في بيانه الشهير في 28 الشهر الماضي وكلها تدور حول سبل حماية لبنان من أزمات المنطقة وتحييده عن الصراعات فيها. وتتأرجح الآراء في قيادة «المستقبل» بين ترك الحوار الواسع على المواضيع الخلافية الكبرى كمسألة السلاح والحرب السورية، إلى الحوار الوطني الذي يفترض أن يرعاه رئيس الجمهورية بعد انتخابه، وبين أن يقتصر على إنهاء الشغور الرئاسي وتعزيز إجراءات تنفيس الاحتقان السني - الشيعي... وهذا يدل إلى أن إطلاق هذا الحوار لم يتقرر بعد. وفي الانتظار فإن «المستقبل» وعون أبقيا على خيط التواصل بينهما على رغم إعلان الثاني أن الحوار حول الرئاسة توقف. فهما يستمران في التشاور عبر وزير الخارجية جبران باسيل ونادر الحريري وغيره في مواضيع أخرى غير الرئاسة. وينتظر «التيار الوطني الحر» اجتماعات اللجنة النيابية اليوم ليستمع إلى المقاربة التي سيقدمها بري للبحث في قانون الانتخاب ليقرر بناء عليها موقفه من مداولات قانون الانتخاب.