منذ أن فسخت منظمة «أوكسفام» الإغاثية الدولية عقدها مع نجمة هوليوود الشهيرة سكارليت جوهانسن بعد ظهورها في إعلان يروّج لأحد منتجات مصنع إسرائيلي أقيم في مستوطنة في الضفة الغربية، قررت إسرائيل «الهجوم» بدلاً من «الدفاع». ويبدو أن الدولة العبرية قررت «الضرب تحت الحزام» بعدما خسرت وجهاً سينمائياً شهيراً جميلاً قبل أكثر من عامين، وفي ظل نجاحات لافتة حققتها حركة مقاطعة إسرائيل الفلسطينية الدولية (بي دي إس) في أنحاء العالم. واختارت إسرائيل هدفها بعناية لافتة: المنظمات الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، والتي تتمتع ب «امتيازات» لا تتمتع بها نظيراتها الفلسطينية في مجال تقديم يد العون للفئات الهشة والفقيرة، وحرية التنقل وغيرها. ووقعت عين إسرائيل، في إطار مواجهة موجات المقاطعة المتصاعدة في أعماق أوروبا، وحتى في الولاياتالمتحدة، على الفلسطيني محمد الحلبي الذي يعمل مديراً لفرع منظمة «رؤية عالمية» (وورلد فيجين) الأميركية غير الحكومية في قطاع غزة، واعتقله جهاز الأمن العام الإسرائيلي «شاباك» قبل نحو شهرين على حاجز «إيرز» شمال القطاع. وسربت وسائل إعلام إسرائيلية أنباء عن أن «شاباك» اتهم الحلبي بتقديم أموال تُقدر بعشرات ملايين الدولارات إلى حركة «حماس» المصنفة إسرائيلياً بأنها منظمة «إرهابية». وقبل أن تنتهي نيران ال «بروباغندا» الإسرائيلية، فاجأت الدولة العبرية العالم بإعلان اعتقال المهندس الفلسطيني وحيد البرش في الثالث من الشهر الماضي، والذي يعمل لمصلحة واحدة من أكبر منظمات التنمية في العالم «برنامج الأممالمتحدة الإنمائي - برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني» المعروف عالمياً باسم (يو إن دي بي - بي إيه بي بي)، وقبله بعام تقريباً اعتقلت زميله سعيد أبو غزة لمدة أسابيع عدة، قبل أن تطلقه من دون توجيه أي اتهام. وسمع الفلسطينيون والعالم «الأسطوانة المشروخة» مرة أخرى: تقديم مساعدات إلى «حماس» المصنفة «إرهابية»، ونقل كميات من ركام المنازل الى ميناء صغير تشيّده الحركة. وفوراً قبل بدء محاكمة الحلبي، وخلافاً للقاعدة القانونية التي تؤكد أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، سارعت الحكومة الأسترالية التي تتخذ بين الفينة والأخرى مواقف عدائية ضد الشعب الفلسطيني، إلى وقف تمويلها منظمة «رؤية عالمية»، ومثلها فعلت ألمانيا. وبدأ القلق يتسرّب إلى المنظمات الدولية التي ساهمت كثيراً في وقف التدهور الاقتصادي والمعيشي والإنساني في فلسطين، خصوصاً في قطاع غزة، والتي تعي جيداً خطورة الحملة الدعائية. وقال برنامج الأممالمتحدة الإنمائي في بيان إن البرنامج «لا يتسامح مطلقاً تجاه أي خطأ يحصل في برامجه أو مشاريعه». وأشار إلى أنه «ينظر بعين الاعتبار للادعاء الإسرائيلي» تجاه البرش المتعاقد معه البرنامج و «يقدم خدمات مهنية فقط ضمن مشروع إزالة الركام» الناجم عن تدمير عشرات الآلاف من منازل الفلسطينيين، إبان العدوان الإسرائيلي في مثل هذه الأيام من عام 2014. وأضاف البرنامج أنه «يود أن يطمئن شركاءه ومموليه والمستفيدين منه بأنه يملك إجراءات مشددة للتأكيد على أن الركام الذي تتم إزالته وطحنه يستخدم في الأغراض المخطط لها... وتم نقله إلى أماكن ومواقع محددة بطلب من وزارة الأشغال العامة والإسكان وموافقتها». ونفت «حماس» الاتهامات الإسرائيلية ووصفتها بأنها «ادعاءات باطلة لا أساس لها من الصحة، تأتي في سياق مخطط إسرائيلي لتشديد الخناق والحصار على قطاع غزة، عبر ملاحقة المؤسسات الإغاثية الدولية العاملة فيه والتضييق عليها». لكن القلق تسرّب أيضاً الى المنظمات غير الحكومية الفلسطينية من خطورة الدعاية الإسرائيلية، إذ استنكرت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في بيان بشدة «حملة التحريض» الإسرائيلية، وحذرت من «تداعياتها الخطيرة في حق هذه المؤسسات، خصوصاً تعميق الأزمة الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة حيث وصلت نسب البطالة والفقر وانعدام الأمن الغذائي إلى نسب غير مسبوقة عالمياً».