يجلس لصق طاولة في «مقهى الموز» في أحد الاحياء القديمة لمدينة مينسك. يضع جسمه على كرسي بالقرب من النافذة. بين الفينة والاخرى، يمسح جبينه بمنديل ورقي تاركاً وراءه فتائل لولبية افقدتها رطوبة المدينة بياضها. يَقبل بارتباك ورجفة تحيات الجميع ومصافحاتهم. يسميه اصدقاؤه القدامى «ابا احمد»، فيما يناديه المعجبون به «الدكتور». اما «الاصدقاء الجدد» فيسمونه «عزيز نيسن الدراما السورية». كتب ممدوح حمادة (50 عاما) نصوص معظم المسلسلات الدرامية الساخرة والنقدية في سورية. كتب اكثر من 30 عملاً، واشهرها في الوقت الراهن «ضيعة ضايعة» وعدد من حلقات «بقعة ضوء» و»مرايا» و»عالمكشوف» التي عرضت على شاشات الفضائيات العربية خصوصا في «فصل الدراما» في رمضان من كل عام. كان دائما يلامس الخطوط الحمر او يتجاوزها بدون ان يدري. ما كان يفعله، هو ان يكتب ويرسل نصوصه عبر البريد التقليدي الى شركات الانتاج في سورية «تاركاً لهم حرية الاختيار والتعاطي مع الرقيب العربي للشاشة الفضية». جاء ممدوح الى مينسك قبل 27 سنة لدراسة الاعلام. لم يحمل معه سوى اسمه «ابو احمد» الذي منحه اياه منظف الألبسة وكتبه بخط كبير على بنطاله الذي علقه كثيرا على شبابيك العاصمة البيلاروسية. بعدما نال الدكتوراه، عاد لفترة قصيرة الى دمشق. عمل صحافيا «بالقطعة» في عدد من الصحف العربية ثم اطل على كتابة الدراما بمسلسل «عائلة ست نجوم» تحدث فيه عن مفارقات اسرة «هطلت عليها الاموال كالمطر من السماء». ثم كرر التجربة بزيادة عدد نجوم هذه العائلة من الفقر الى الغنى ثم الى الفقر، حيث عرضتها شاشات كبريات الفضائيات العربية. وعلى تخوم الانتقال من دمشق الى الاقامة الدائمة في مينسك كتب مسلسل «بطل من هذا الزمان». استوحى الاسم من رواية ميخائيل ليرمانتوف، لكنه جعل المضمون الروائي معاكسا. حكى عن موظف صغير «يستخدم جميع الحيل لإطعام ابنائه» وليس لايقاع الحسناوات في شباكه كما فعل البطل بتشروين في رواية الأديب الروسي. كما كتب عن «سراب» الاعتقاد بعودة الشباب او الفرص الضائعة في مسلسل «جلنار» او «صراع الزمن». وبدأ ممدوح يلمس المواضيع النقدية في حلقات «مبروك» بقوله ان كل الامور التي يقال عنها «مبروك» تجلب «المصائب لأصحابها» مثل شراء الفقراء غسالة او ادوات منزلية بالتقسيط. وفيما فشل «الدكتور» ممدوح «فشلا ذريعا» في حلقاته البوليسة تحت عنوان «من القاتل» لانها كتبت بطريقة «ساذجة تماما»، لاقت الحلقات التي كتبها لسلسلة «بقعة ضوء» نجاحاً منقطع النظير بنقدها الاوضاع العربية عموماً انطلاقا من بيئات محلية. لكن اللافت ذلك النجاح التي حققته مجموعة «ضيعة ضايعة» التي تتحدث كل حلقة منها عن موضوع انساني - درامي معين، بدأت بشخص يعاني من سرقة جاره لشتلات التفاح في كل مرة يحضرها كي يزرعها في قريته، الى ان قرر وضع هذه الشتلات امانة لدى جاره السارق لحفظها. السارق «يقع في الفخ ولا يستطيع النوم حرصا على الأمانة». هذا المسلسل الذي صور في بلدة السمراء في ريف اللاذقية، غرب سورية، حول بلدة نائية وبعيدة الى وجهة لالاف السوريين والى مكان سياحي باقبال منقطع النظير. لكن اللافت ان كاتب هذا المسلسل، الذي يحكي شخصياته بلهجة ساحلية لضيعة صغيرة جداً الى درجة ان الكلمات تكتب على الشاشة لفهمها، لم يزر في حياته المنطقة الساحلية وصار له بعيدا عن الوطن ثلاثة عقود. كيف؟ يقدم ممدوح «تفسيرا بسيطا» يقوم على انه «لم يترك شيئا في حياته الا واشتغل به» منذ صغره الى الان. نزح اولا من الجولان المحتل وتنقل بين الاحياء الدمشقية واحداً تلو الاخر. كما تنقل بين المهنة والاخرى. عمل حداداً وعامل تنظيفات وحفاراً للخنادق و»فدائيا» خلال الاجتياح الاسرائيلي لبنان. كما انه يعمل في بيلاروسيا «مترجما لكل شيء». من معاملات جوازات السفر الى قضايا الطلاق الى الهجرة غير الشرعية وقضايا تمس جرائم كبرى ومسائل حساسة. يضاف الى ذلك، قراءة دائمة للادب الروسي. حقق خلطة عجيبة: معايشة الواقع وقراءة الأدب. يقول: «ما علي سوى اعادة خلط كل هذه الامور مع بعضها والكتابة». ويضيف: «من خلال ترجمتي في المحاكم، استفيد على الأقل معرفة اسماء غريبة».