أسفرت «حرب الأيام الستة» التي خاضتها فصائل سورية اسلامية ومعارضة عن السيطرة على 25 نقطة وموقعاً للقوات النظامية وحلفائها جنوب حلب وجنوبها الغربي وفك الحصار عن الأحياء الشرقية في العاصمة الاقتصادية للبلاد، وانقلاب ميزان القوى خلال اسبوع بانهيار معنويات موالي النظام وارتفاع معنويات المعارضين. وتحشد القوات النظامية وحلفاؤها آلاف المقاتلين السوريين والميليشيات العربية والأسيوية ومن «حزب الله» والحرس الثوري لاستعادة المبادرة في حلب ووقف تقدم الفصائل المعارضة التي أعلنت ان هدفها النهائي للمعركة هو السيطرة على كامل المدينة بما فيها الاحياء الغربية التي تضم مليون و200 الف شخص، اضافة الى 250 الفاً في الأحياء الشرقية، ما يجعل معركة حلب مصيرية تحدد اتجاهات مستقبل سورية. واذ حققت القوات النظامية وحلفاؤها تقدماً في بلدة كنسبا الاستراتيجية في ريف اللاذقية، يتردد احتمال سعيها الى انتصار في الغوطتين الغربية والشرقيةلدمشق او جسر الشغور بين ادلب واللاذقية. ووفق قياديين في فصائل إسلامية ومعتدلة مدرجة على قائمة الدعم في «غرفة العمليات العسكرية» برئاسة وكالة الاستخبارات الأميركية (سي أي ايه) جنوبتركيا ومسؤولين وديبلوماسيين غربيين ونشطاء مدنيين في حلب وريفها تحدثت اليهم «الحياة» في الأيام الماضية، يمكن ذكر عشرة أسباب ل «انقلاب حلب»: 1- العدد الضخم: شارك في الهجوم بين ثمانية وعشرة آلاف معارض في تحالفين: الأول، «غرفة عمليات فتح حلب» التي تضم فصائل معتدلة مدرجة على «غرفة العمليات العسكرية» بينها «حركة نور الدين زنكي» و «الجبهة الشامية» و «لواء السلطان مراد» و «الفرقة 13» و «تجمع صقور جبل الزاوية» و «الفرقة الوسطى». الثاني، «جيش الفتح» الذي يضم «جبهة فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) بحوالى 2500 مقاتل و «حركة أحرار الشام الإسلامية» حوالى 2500 مقاتل و «جيش السنة» و «فيلق الشام» و «أجناد الشام» التحالف الذي يسيطر على كامل محافظة إدلب منذ ربيع العام الماضي. ولم يشارك تنظيم «جند الأقصى» المحسوب على تنظيم «داعش» وسط أنباء من ان «الأقصى» يستعد لهجوم على حماة للتعويض على عدم مشاركته في معارك حلب التي شارك فيها عناصر من «الجيش التركستاني الإسلامي» الآسيوي (اوغور - الصين). 2- اتساع ساحة المعارك: امتدت «الجبهة القتالية» بطول 22 كيلومتراً من العامرية جنوب حلب و «مشروع 1070» والحمدانية جنوب غربي المدينة الى المدخل الشمالي الغربي للمدينة، إضافة الى مخيم حندرات. وجرى تقسيم المعارك في مراحل بدأت بالسيطرة على تلال ومناطق استراتيجية و «مشروع 1070» ثم التقدم الى المرحلة الثانية في مدرسة المدفعية والراموسة بالتزامن مع هجوم آخر من داخل الأحياء الشرقية المحاصرة. 3- «حياة أو موت»: منذ سيطرة القوات النظامية وحلفائها بدعم من «قوات سورية الديموقراطية» الكردية - العربية في منطقة السكن الشبابي في الاشرفية والشيخ مقصود على معبر الكاستيلو الى الأحياء الشرقية في حلب في 17 تموز (يوليو)، شعرت جميع الفصائل بأنها مخنوقة، اذ ان لدى معظمها مقاتلين داخل المناطق المحاصرة، وكان هناك ضغط على جميع الفصائل وقياداتها وحلفائها بضرورة فعل شيء. وكان هناك اعتقاد ان اذا سيطر النظام وحلفاؤه على حلب، فان المعارضة انتهت... لأنه بعد حلب ستُعزل إدلب وتحاصر ثم تنتهي المعارضة نهائياً، أي انها «معركة حياة او موت». 4- «المفاجأة»: كانت التوقعات ان يشن مقاتلو المعارضة هجوماً من طرف معبر الكاستيلو او شرق حلب. لكن المفاجأة ان مقاتلي المعارضة اختاروا المعركة الأصعب، في جنوب غربي حلب، حيث معظم القواعد العسكرية للنظام وحلفائه وأكبر كتلة للقواعد العسكرية. 5- وحدة بين المعتدلين والاسلاميين: للمرة الأولى كان هناك تنسيق كبير بين الفصائل الاسلامية والمعتدلة. الفصائل المحسوبة على الدول الاقليمية وأميركا والغرب. ولا شك في ان قرار «جبهة ال.نصرة» الابتعاد عن تنظيم «القاعدة» سهل على جميع الفصائل العمل مع التنظيم الجديد باسم «جبهة فتح الشام». مثلاً، «الفرقة 13» التي حاربت «النصرة» في معرة النعمان وتعرض عناصرها للخطف من «الجبهة»، قاتلت جنباً الى جنب «لأننا نسينا خلافاتنا لنقاتل عن مشروع وطني»، وفق قول احد القياديين. 6- استقلالية القرار: الواضح ان في هذه المعركة كان هناك هامش أكبر لاستقلالية القرار المحلي والإقليمي والفصائل السورية، ولا شك في ان قرب نهاية ادارة باراك اوباما اعطى هامشاً اوسع للاعبين المحليين والاقليميين. يضاف الى ذلك القدرة التنظيمية والمعنويات القتالية للمعارضين خصوصاً الاسلاميين. 7- دعم عسكري كماً نوعاً: هناك معلومات ان اسلحة وذخائر وصلت الى المعارضة قبل حوالى اسبوع او عشرة ايام من بداية المعركة. وكان واضحاً ان هناك ذخائر جديدة ومعدات عسكرية جديدة مثل طائرات الاستطلاع. وكان واضحاً وجود قدرة تتظيمية وقيادية عن الفصائل. وكان واضحاً وجود دور تركي في العملية. وهناك من ربط موعد الهجوم بأنه سبق لقاء رئيس تركيا رجب طيب اردوغان بالرئيس فلاديمير بوتين في 9 آب (اغسطس). 8- غياب ال «الفيتو» الأميركي: كانت هذه التوقعات مرتبطة أيضاً بالمحادثات الأميركية - الروسية في جنيف الأسبوع الماضي للتوصل الى اتفاق للتعاون العسكري يتضمن وقف الطيران السوري واستهداف المعارضة المعتدلة مقابل تعاون الطيران الاميركي والروسي في محاربة الإرهابيين و «جبهة النصرة». لكن الأمور بدأت تأخذ منحى آخر الأسبوع الماضي. اذ بعد إعلان موسكو فتح «معابر إنسانية» ثالثة ورابعة للمقاتلين، تحدث وزير الخارجية الاميركي جون كيري عن «خديعة روسية». 9- غياب التنسيق في محور النظام: خاض آلاف من القوات النظامية وحلفائها بينهم «قوات الدفاع الوطني» السورية و «حزب الله» اللبناني و«لواء القدس» الفلسطيني وميليشيات عراقية وافغانية وايرانية بإشراف «الحرس الثوري الايراني»، يضاف الى ذلك مشاركة الطيران السوري من قاذفات ومروحيات والطيران الروسي المتمركز في قاعدة اللاذقية في حميميم غرب البلاد. لكن يبدو ان التنسيق بين الحلفاء لم يكن في المستوى المطلوب وان الجيش النظامي لم يكن في مستوى توقعات حلفائه وانهار بسرعة. 10- غموض الطيران الروسي: لا يزال غير واضح بالتحديد دور الطيران الروسي في المعارك. صحيح انه قدم الغطاء الجوي، لكنه لم يتبع منهج «الأرض المحروقة»، يضاف الى أن حصول حرب شوارع وتداخل المعارك بين المعارضة والنظام على الارض اضعفا دور الطيران الروسي ولم يعرف ما اذا كان هذا قرار من موسكو للضغط على دمشق وطهران ام انه امر عملياتي. لوحظ ان الغارات الروسية ركزت على إدلب وخصوصاً مدينة سراقب حيث أسقطت مروحية روسية قبل معركة حلب، لكن لم ما اذا كان هذا لمعاقبة اهل سراقب ام لتدمير سيارات مخففة ام للضغط على مقاتلي إدلب للانسحاب من معركة حلب. يقول قياديون معارضون وديبلوماسيون ان معركة حلب كانت «منعطفاً، لكنها ليست نهاية المطاف» وانها أظهرت حدود قدرة التدخل الروسي ومدى ضعف الجيش النظامي خصوصاً انها أكبر خسارة منذ تدخل روسيا في نهاية ايلول (سبتمبر)، مع ملاحظة ان «جبهة فتح الشام» باتت تحظى بشعبية وقدرة قيادية أكثر وبات اسهل على باقي الفصائل العمل معها ما عقد المحادثات الاميركية - الروسية المستمرة في جنيف التي ترمي الى عزل المعتدلين عن المتطرفين... وليس دمجهم.