أبرز نائب مدير صندوق النقد جون ليبسكي «انجازات مهمة» حققتها مجموعة العشرين في فترة وجيزة لتثبيت النظام المالي العالمي وإرساء قواعد الانتعاش الاقتصادي. وعلى رغم أن المجموعة لا تضم في عضويتها من الاقتصادات الصاعدة سوى دولة عربية واحدة هي السعودية، أظهرت تقارير مؤسسات المال الدولية مؤشرات تؤكد أن الدول العربية كانت وستكون من بين، إن لم تكن من أكبر المستفيدين من قرارات مؤتمرات «المجموعة» والتزاماتها. وعزا ليبسكي، في كلمة أمام «المعهد الاقتصادي الكوري» في واشنطن الثلثاء الماضي، تحقيق قمم مجموعة ال20 انجازاتها المهمة، إلى «روح تعاونية» تحلى بها الأعضاء. ولفت في الوقت ذاته، من خلال ما وصفه ب«مؤشرات أولية»، إلى أن هذه الروح المطلوبة للتعامل مع «تحديات معقدة»، التي تواجه القمة المقبلة التي تستضيفها كوريا الجنوبية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لا تزال تحتفظ بقوتها. وتصدرت قرارات تثبيت نظام المال العالمي وحفز الانتعاش الاقتصادي قائمة الانجازات، لكن «إعلان» قمة تورونتو الأخيرة حرص على التنويه بأن مجموعة ال20 وبالتعاون مع «دول أخرى أوفت بالتزامها، إزاء تمكين بنوك التنمية من تأدية مهماتها بزيادة رسملتها 350 بليون دولار، ورفع حصة الدول النامية من حقوق التصويت في البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية إلى 47 و40 في المئة على التوالي». ولا يبدو أن التزام مجموعة ال20 جاء قبل أوانه، فعلى سبيل المثال، إن مصر - التي دأب مسؤولو البنك الدولي على «الشكوى» من إحجامها عن الاقتراض طوال القسم الأعظم من عقدين، بل وخفض الحجم الاجمالي لقروضها من البنك الدولي للإنشاء والتعمير من 1.5 بليون دولار عام 1990 إلى أقل من 500 مليون دولار في 2005 - اضطرتها أزمة المال العالمية وتوابعها إلى العودة للاقتراض بقوة. وأشارت تقارير دورية إلى أن مصر انفردت في السنة المالية للبنك الدولي 2008 (الأول من تموز/يوليو 2007 إلى 30 حزيران/يونيو 2008) بما يزيد على 5 في المئة من الحجم الاجمالي للقروض التي التزمت مجموعة البنك الدولي تقديمها إلى الدول النامية، وانضمت بذلك إلى لائحة من ثماني دول رئيسة نامية، تشكل حصتها 61 في المئة من هذه القروض التي ناهزت 21 بليون دولار. وانعكس وضع مصر على الدول العربية المؤهلة للاقتراض من بنك الإنشاء والتعمير الذي يؤمن قروضاً بشروط السوق للدول المتوسطة الدخل، ومؤسسة التنمية الدولية التي تقدم قروضاً ميسرة وغالباً معفية من الفوائد، ومنح إلى الدول الأكثر فقراً (الجزائر والمغرب وتونس ولبنان والأردن ومصر وجيبوتي واليمن)، إذ ارتفع حجم اقتراض هذه الدول 332 في المئة في 2008 ليصل إلى 1,4 بليون دولار وبلغت حصة مصر 1.1 بليون دولار. ولم تكن 2008 سوى بداية لفترة عصيبة، فمن 1.4 بليون دولار ارتفع حجم اقتراض الدول العربية المذكورة (باستثناء الجزائر) إلى 1.7 بليون في السنة المالية 2009 ثم تضاعف إلى 3.8 بليون في السنة المالية 2010 حين بلغت حصة مصر، وفقاً لمعطيات أولية، نحو 1.9 بليون دولار من القروض التي استخدمتها في الاصلاح المالي والطاقة البديلة وتوسعة مطار القاهرة وتمويل المشاريع الصغيرة. وجاءت فورة الاقتراض العربية تحت ضغظ توابع خطيرة لأزمة المال العالمية، خصوصاً التراجع الحاد في تدفق الاستثمارات الخارجية الخاصة بنوعيها الأجنبي والعربي على الدول العربية المذكورة، بعدما كانت هذه التدفقات، لا سيما ما يعرف ب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ارتفعت من 5 بلايين دولار سنوياً بين عام 2000 و 2004، إلى 26 بليون دولار في الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2008. إلا أن الاقتراض العربي وجد حافزاً قوياً في مغريات استثنائية، في مقدمها إن لم يكن أهمها على الاطلاق، تراجع تاريخي في أسعار الفائدة، فحين كان رصيد الدول العربية من قروض مجموعة البنك الدولي 9.5 بليون دولار في 1990، بلغت فاتورة الفائدة السنوية 600 مليون، وعندما ارتفع هذا الرصيد إلى 11 بليون دولار في 2007 قابله انخفاض في فاتورة الفائدة إلى أقل من 350 مليون دولار، علماً أن تراجع الفائدة مستمر. واتسعت قائمة المغريات لمؤشرات بالغة الأهمية منها: انخفاض نسبة رصيد الديون الخارجية العربية الطويلة الاجل إلى الصادرات من 148 في المئة عام 1990 إلى 33 في المئة في 2008 وهي الأدنى من بين المناطق النامية بعد شرق آسيا، وكذلك ارتفاع نسبة احتياط العملات الأجنبية العربي إلى رصيد الديون الخارجية من 13 إلى 197 في المئة.