«مادلين الزائفة» كتاب للناقد الأدبي وعالم النفس الألماني ميشائيل مار، نقله إلى العربية الكاتب والأكاديمي المصري الفارس علي وصدر عن مشروع «كلمة» للترجمة - أبوظبي. يضم الكتاب خمس عشرة مقالة عن كتب وشخصيات وظواهر، وهي مقالات منفصلة ومتصلة، سكب فيها الكاتب نفساً واحداً تتحسس فيه روح عالم نفس تارة، وروح ناقد أدبي تارة أخرى. خمس عشرة مقالة تدور كلها – على تعدد الأسماء الظواهر – في فلك الذات الإنسانية وشواهدها. في هذه المقالات يستعرض نماذج من الذوات الإنسانية كنموذج الذات المخترَقة من عوالم غيبية في مقالته «الشيطان والساحرات وأصوات الشعراء» حيث نلتقي بفاوست وعقده الشيطاني، وتوماس مان صاحب «بودنبرك»، الذي حظي بزيارة من جنيته الليلية، وعالم النفس سيجيل الذي جازف؛ بأن مد للشيطان أصبعاً، كي يوثق دراسته عن ظاهرة المحدثين من الشعراء والأدباء، وأصحاب النفوس القلقة، لتداهمه جنيته، كأنها ليليث شيطانة العواصف في بلاد الرافدين. ظاهرة لم تنج منها أسماء جليلة في عالم الفن والأدب، بدءاً بملتون وبلايك وشيلي وريلكه، ومروراً بكلايست وكافكا وموزيل ونابوكوف، وانتهاء بفرجينيا وولف، التي أنهت حياتها بمأساة قتل نفسها، فراراً من ضجيج أصوات هامسة لغير مرئيين. أصوات تملي، وتوحي، كأنها منبعثة من وادي عبقر؛ وادي الجن الأشهر الذي يُؤوي الشياطين الذين يوحون إلى الشعراء، والموهوبين، والأفذاذ، «والعباقرة»، بحسب الأسطورة العربية المعروفة. كل هؤلاء أصحاب ذوات مخترقة – بالأحرى مستلبة – مسكونة بعالم الغيب، وليس لهم إلا فضلُ النقل منه، وعنه. ثم نلتقي بنموذج الذات المختفية حد العدم في مقالته «الجلوس في الظلام»، واختفاء الذات هنا جاء بفعل قَدري؛ فصاحب الكتاب جون هال أصيب بالعمى في سن الشباب، ليعاني من غياب أناه الثابتة، التي تستحيل في النهاية إلى «أنا» مختفية، ثم منعدمة، يسعى بعدها لخلق أنا بديلة. وعلى عكس حالة جون هال القدرية يقدم مار في إحدى مقالات الكتاب بريمتسما المعتقل في أحد الأقبية، إذ تختفي أناه تدريجياً بفعل بشري مجرد. نجح ريمتسما أثناء المحنة، من خلال ممارسة فعل الكتابة المسموح به، في أن يخلق لنفسه أنا بديلة، غير تلك الأنا المحطمة، المتجاوزة للحدود، لكنها «أنا مكتوبة بالقلم الرصاص». ثم ننتقل إلى عوالم نابوكوف عاشق الفراشات، حد أنه كان يرى في كل أرنب لعوب فراشة؛ فعلى مرأى ومسمع من فراشته الأثيرة «المادلين» جرى إغواء هومبيرت من صديقته الأولى اللعوب، حيث انتزعت الإشادة ببطل المجلد الأول من عمل بروست الضخم «الزمن المفقود». كذلك سنحظى بمشاهدات من الحفلة الليلية، عندما التقت «السيدة دالواي» – عنوان رواية فرجينيا وولف، وبطلتها – جويس. كذلك نعيش أجواء الأرض الوسطى، وفيها نحاول فك شفرة الحروف القمرية للمبتسرين الهوبيت، ونستكشف كذلك سر ولع تولكين، مبتكر عوالم الهوبيت، بأمه الراحلة. ثم نتجول مع توماس مان في أعماق سيبريا، ونبارك صداقة موباسان لفلوبير، والأرجنتيني الحالم خورخي لويس بورخيس، وتمجيده المفرط لتشيسترون، ذلك القديس الذي يكافح في داخله السيد هايد. المؤلف ميشائيل مار متخصص في الدراسات الجرمانية وعلم النفس، وقد اعتبرته دورية لندن للكتب الناقد الأدبي الأكثر موهبة في الأجيال الألمانية الجديدة، وحصل ميشائيل مار على جائزة الأكاديمية الألمانية للغة والشعر، وجائزة ليسنغ للنقد الأدبي.