لم يتردد قادة الكتل السياسية في إعلان تعليق جلسة البرلمان العراقي حتى إشعار آخر إلى حين التوصل إلى اتفاق يبدو اليوم شبه مستحيل لتقاسم مناصب الحكومة، على رغم تكريس هذا الإعلان واقعة خرق الدستور وإهداره أربعة أشهر ثمينة من عمر البرلمان الجديد الذي لن تسنح لأعضائه فرصة إدارة خلافاتهم في شأن الحكومة وحلها تحت سقف مجلسهم وفق الضوابط الدستورية. ويبدو لافتاً أن معظم أصحاب القرار في العراق اليوم من خارج البرلمان، ما يبرر تجنب نقل الأزمة إلى داخله. ولم تدخل البرلمان الجديد شخصيات مثل زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر وزعيم «المجلس الإسلامي الأعلى» عمار الحكيم وزعيمي الحزبين الكرديين الرئيسين جلال طالباني ومسعود بارزاني. كذلك، لا يعكس سلوك القطبين الآخرين في مفاوضات تشكيل الحكومة، وهما زعيم «القائمة العراقية» إياد علاوي وزعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، التزاماً بتفعيل دور البرلمان، فالأول كان غائباً لسنوات عن البرلمان على رغم أنه من أعضائه ولم يشترك في حواراته السابقة، فيما الثاني تجمعه علاقة غير ودية مع البرلمان السابق ولم يردد القسم الدستوري أمام البرلمان الجديد الذي لاينوي دخوله نائباً أو زعيم كتلة. وتطغى شخصيات «صناع الملوك» على المشهد السياسي، فهم يمتلكون مفاتيح حكم واستقرار العراق وأيضاً مفاتيح تفجير الأوضاع فيه، مثلما أن لهم وحدهم حق التنازل عن المناصب لسواهم. وباستثناء الصدر الذي تمكن من إجادة دور صانع الملك في حقبتي حكم المالكي وسلفه إبراهيم الجعفري، فإن القيادات السياسية الأخرى اختارت دخول البرلمان السابق قبل ان تستقيل منه لتتولى مناصب حكومية. وعلى رغم ان شخصية «صانع الملك» اقترنت في بداية العملية السياسية بعد العام 2003 باللقب الديني عندما أسس عدد من رجال الدين المعروفين تجمعات سياسية تحت عنايتهم الروحية مثل زعيم «حزب الفضيلة» محمد اليعقوبي وزعيم «منظمة العمل الإسلامي» محمد تقي المدرسي، فإن رجال دين أو ممثلين لتيارات دينية اشتركوا في العمل السياسي مباشرة في بدايته مثل زعيم «المجلس الإسلامي الأعلى» عبدالعزيز الحكيم وزعيم «الحزب الإسلامي» محسن عبدالحميد. لكن قائمة رعاة الأحزاب ممن لا يفضلون خوض الانتخابات شخصياً مع انهم يقودون القرار السياسي، اتسعت في شكل لافت بعد تجربة الانتخابات الأخيرة، لتضم عدداً من زعماء الأحزاب الدينية والقومية على حد سواء. واجتذب دور «صانع الملك» الزعيم الجديد ل «المجلس الأعلى» عمار الحكيم وزعيمي الحزبين الكرديين طالباني وبارزاني، إضافة الى زعيم حركة «تغيير» الكردية نيوشروان مصطفى، وزعيم «حركة الوفاق الإسلامي» جمال الوكيل، وزعيم «أحرار» إياد جمال الدين، وامتد اضطرارياً إلى زعيم حركة «الحوار» صالح المطلك الذي أقصي من خوض الانتخابات، لكنه ما زال يحتفظ بنفوذ كبير داخل «القائمة العراقية». وعلى رغم أن الوزن السياسي والديني يتفاوت من شخصية إلى أخرى ومن تيار إلى آخر، فإن اتفاقاً ضمنياً كرسته التجربة البرلمانية العراقية منذ العام 2005 مفاده أن تتم إدارة الخلافات وإقرار القوانين والقرارات المهمة وتشكيل الحكومات من خارج البرلمان لا داخله، بما في ذلك زعماء الكتل والأحزاب سواء من «صناع الملوك» أو من «الملوك» أنفسهم، إضافة إلى إرادات إقليمية ودولية. والمحصلة أن التجربة البرلمانية العراقية لم تختبر بعد نحو ثماني سنوات على التغيير السياسي وبعد نحو خمس سنوات على تطبيق وإقرار النظام البرلماني بسبب مصادرة طبقة «صناع الملوك» للقرار السياسي وحرصها على إضعاف الدور البرلماني لمصلحتها وإفراغ صلاحيات النواب من محتواها. ويلزم الدستور البرلمان الجديد بالاجتماع خلال شهر من التصديق على نتائج الانتخابات، كما يلزمه بانتخاب رئيس ونائبين له في الجلسة الأولى على أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال 30 يوماً من عقد الجلسة الأولى، ثم يختار الأخير بعد مشاورات رئيس الوزراء الجديد خلال 15 يوماً من انتخابه. وتجاوز الأفرقاء السياسيون كل هذه المواعيد من دون تحقيق الجداول الزمنية التي فرضها الدستور، فيما كان تعليق جلسة البرلمان الأولى لشهر ثم تعليقها لأسبوعين وأخيراً إبقاؤها معلقة إلى إشعار آخر، موضع الاتفاق الوحيد الذي جمع القادة العراقيين منذ آذار (مارس) الماضي.