على مدى تاريخ الفن العربي وحتى يومنا هذا، قلة من الفنانين والموسيقيين حققوا الاستمرارية والخلود ذهنياً. فريد الاطرش "1910 - 1974م" احد هؤلاء وربما الوحيد الذي حلق بالموسيقى العربية في سماء العالمية، "غني يا وحيد" هي تلك اللزمة التي اشتهر بها فريد الاطرش بأفلامه التي فيما بعد اصبحت جملة شعبية يرددها الناس بينهم خصوصا بمصر والشام بل حتى هنا. في عام "1923م" قامت علياء المنذر والدة فريد بشق طريقها هي وابناؤها الى حي "باب البحر" في القاهرة تاركين خلفهم حرباً مستعرة بين اهل الشام والمستعمر الفرنسي، اقامت علياء برفقة ابنائها فؤاد وفريد واسمهان "1917-1944م"، في اول مسكن لهم هناك. لم تعلم القاهرة حينها أن وصول هذا الطفل ذي الستة اعوام لأراضيها سيكون واحداً من الاحداث المهمة لمسيرة الموسيقى العربية، "فريد فهد فرحان اسماعيل الاطرش" هو المطرب السوري الذي لا يجيد غير اللهجة المصرية، هناك نبغت موهبته في ارض الكنانة ويقدم اروع المعزوفات الموسيقية هناك. منذ هجرته الى مصر امتهن عدة اعمال وهو صغير ليساعد عائلته ومنها عمله في متجر "بلاتشي" يوصل الطلبات بالدراجة إلى المنازل، التصق عندها مع الاحياء الشعبية وكان لذلك اثره الواضح في تميز "ملك العود" واختياره الفورم الشعبي أساساً لفنه الغنائي واستطاع ان يتجذر في الوجدان من خلال اغانيه، "ما قلي وقلت له"، "ما نخبيش عليك"، بل وحتى الزيجات عند اهل مصر والشام لا تتم زفة العروسة الا بأغنيته الشهيرة "دقو المزاهر ياالله يا اهل البيت تعالوا". قد يكون الملحن ينظر الى الموسيقى على انها قيمة ثانوية تأتي بعد الغناء وهنا الفرق بين فريد الموسيقي والملحن "الكلاسيكي"، ألتفت بلبل الشرق الى التأليف الموسيقي الخالي من الغناء ليتضح لنا قدرات ملحن ومؤلف خارقة وغير مسبوقة، وتنوع ما يقدمه من ألوان مختلفة بين الشعبي والعاطفي والكلاسيكي وتلحين القصيدة الفصحى. فريد الأطرش «1910 - 1974م» برع كثيراً في الاغاني ذات المقامات والايقاعات المختلطة بين الشرقي والغربي ك "انا والي بحبه" و"ساعة بقر الحبيب" و"يازهرة في خيالي". قال عنه ذات يوم موسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب - رحمه الله: "اذا كان هناك من سينقل الموسيقى العربية الى العالمية فإنه فريد الاطرش". كان الاطرش حينها يطمح ويعمل لأجل الوصول للعالمية وقد يكون أراد الانتشار بشكل أوسع وأسرع، لذا كان أول موسيقي عربي يهتم ويقدم التوزيع "الاوركسترالي" و"الكورال" وفن الاوبريت للوطن العربي. ويعد الاول في الوطن العربي والذي ادخل القيثار الهوائي وآلة المنشار في الموسيقى العربية. فريد حقق مبتغاه بتصنيفه عالمياً في فرنسا ونال وسام الخلود مع أباطرة الموسيقى العالمية "بيتهوفن" و"موزارت " كثالث موسيقي عالمي يحصل على هذا التكريم. لم نعرف ان عازفاً للعود يستطيع ان ينتزع تصفيق الجمهور من "اول لمسة "على الوتر غير فريد الذي حصل على جائزة افضل عازف عود عالمي في مسابقة نظمتها تركيا عام "1962م". هذه المواهب المهوله في فريد أستثمرها سينمائياًً, ليشترك رحمه الله في "31 فيلم" سينمائيا كان بطلها جميعا وأنتجت مابين الفترة الممتدة من السنة "1941 - 1974م". أشهرها "حبيب العمر". وتصادف هذه الأيام ذكرى رحيل امبراطور الموسيقى العربية الذي رحل مع "ريشة العود" في "1974م"، وبرغم رحيله الا انه اثبت "خلوده" في أذهان الناس وفي تاريخ الفن العربي. فريد الأطرش وأسمهان «1917- 1944م» يستغرب بعضهم تجدد أعماله ووفرتها رغم ذاك الزمن من رحيله، حيث تظهر بين فترة واخرى أعمال أخرى جديدة من تسجيلات خاصة أو عامة تطرح أول مرة واغان مصورة لم تشاهد من قبل. موسيقار الازمان ولَّدَ اجيالا جديدة بحثت واكتشفت عن موسيقى "حبيب العمر" التي لا تنضب. كميليا ابنة أسمهان الوحيدة مع خالها فريد الأطرش