هل يعقل أنني أعرف ما لا تعرف أجهزة الاستخبارات الأميركية المعلنة والسرية؟ كلنا يعرف أن في الولاياتالمتحدة 16 جهاز استخبارات مجموع موازناتها 75 بليون دولار في السنة، فهذا معلن. ثم جاءت «واشنطن بوست» قبل أيام لتكشف تفاصيل مذهلة عن الجانب الخفي من الحرب على الإرهاب، وعلمنا أن هناك 1271 منظمة حكومية و1931 شركة خاصة تعمل في برامج لها علاقة بمكافحة الإرهاب والأمن الداخلي والاستخبارات في عشرة آلاف موقع عبر الولاياتالمتحدة، وبعد إرهاب 2001 خطط لبناء 33 مجمّعاً سرياً للغاية في واشنطن وحولها لأجهزة الاستخبارات، وقد اكتمل بناء بعضها. ويقدر عدد العاملين في هذا العالم السري بحوالى 854 ألفاً، كل واحد منهم لديه تصريح بالاطلاع على معلومات الاستخبارات. كل هؤلاء لا يعرفون ما سجلت في هذه الزاوية مرة بعد مرة عن العلاقة بين الاستخبارات العسكرية الباكستانية وطالبان، وهو موضوع كتب عنه الزميل سمير السعداوي في جريدتنا هذه تحقيقات موثقة. ثم نجد، بحسب تسريبات موقع إلكتروني، أن الأميركيين فوجئوا بهذه العلاقة. ما لا يختلف عليه اثنان هو أن الإرهاب زاد بعد أن أعلنت الولاياتالمتحدة الحرب عليه، وهي لن تهزمه طالما أن سياستها الخارجية في الشرق الأوسط تنفذ لخدمة إسرائيل على حساب العرب والمسلمين، وعلى حساب المصالح الأميركية نفسها. أتهم دعاة الامبراطورية الأميركية ولوبي إسرائيل والليكوديين من كل نوع والكونغرس الأميركي بالمسؤولية عن إطلاق الإرهاب، وأكمل بأخبار أميركية تستحق وقفة عندها: - أُرغم الجنرال ستانلي ماكريستال على الاستقالة من قيادة القوات الأميركية في أفغانستان بسبب طول لسانه في التهجم على القيادة المدنية في مقابلة مع مجلة «رولنغ ستونز». وخلفه الجنرال ديفيد بيتريوس، وأعلن أن الجنرال جيمس ماتيس سيخلف بيتريوس في قيادة القوات المركزية. ماكريستال طرد لأنه لم يعرف كيف يختار كلماته في بلد العسكر فيه تحت القيادة المدنية لا العكس كما في بلادنا، غير أن ماتيس أسوأ منه، فهو يفتقر الى الحكمة والديبلوماسية، واسمه لم يتردد للقيادة حتى قام من يُذكِّر الأميركيين والعالم بأن هذا الجنرال قاد الهجوم على الفلوجة الذي قتل ألوف المدنيين، وأنه وصف القتل والقتال في أفغانستان بأنه «ظريف». وهناك تسجيل له يعود الى سنة 2005 قال فيه إنه يحب العراك، وفي أفغانستان يجد أمامه رجالاً يصفعون النساء خمس سنوات لعدم ارتداء الحجاب، رجالاً تنقصهم الرجولة، لذلك يجد ظريفاً أو مسلياً ضربهم بالرصاص. أنتظر الخطأ المقبل من ماتيس والاستقالة أو الإقالة. - نقول في لبنان «مش زابطة» عندما تسير الأمور بعكس ما يريد الإنسان، وأجد أن حروب أميركا واستخباراتها وقدرة جنرالاتها «مش زابطة»، وثمة أمثلة يومية. هناك موقع إلكتروني اسمه «ويكيليكس»، وفي الاسم كلية انكليزية بمعنى تسريب الاخبار هو الذي كشف تقارير الاستخبارات الأميركية عن علاقة طالبان باستخبارات باكستان. وشهرته تعود في الأصل الى أنه بث هجوم هليكوبتر عسكرية اميركية على مجموعة من العراقيين، والآن أقرأ أن موظفاً شاباً يعمل في الاستخبارات سرّب الى الموقع ألوف المراسلات الديبلوماسية السرية بين السفارات الأميركية في الشرق الأوسط، وأنها في طريق النشر. ثم هناك مذكرة من الجيش الأميركي عن سبل محاربة الموقع ومطاردة الذين يسربون إليه الأخبار يتوقع أن يبثها الموقع قريباً رغم الضغط. الفيديو عن الهليكوبتر في العراق يظهر طيارَيْن يقصفان المدنيين العراقيين بالصواريخ وهما يتبادلان الحديث ويضحكان، وعندما تأتي سيارة لمساعدة المصابين تقصف أيضاً ويقتل الجميع. - كانت زيارة رئيس وزراء بريطانيا الجديد ديفيد كاميرون واشنطن ومباحثاته مع الرئيس أوباما مناسبة للحديث عن «العلاقة الخاصة» بين الولاياتالمتحدة وبريطانيا. لا علاقة خاصة البتة، بل تبعية بريطانية ذليلة للسياسة الأميركية نتيجتها الوحيدة أن بريطانيا تدفع ثمن كره السياسة الأميركية حول العالم، خصوصاً بين العرب والمسلمين، وتتعرض لإرهاب سببه الأول والأخير، إن لم يكن الوحيد، ارتباطها بالسياسة الأميركية. هل كان إرهاب 7/7 وقع لولا هذا الارتباط؟ أشك في ذلك كما أشك في أن الإرهابيين كانوا استهدفوا بريطانيا في محاولات تالية لولا سياستها الأميركية. وأحزن وأنا أقرأ يوماً بعد يوم عن القتلى من الجنود البريطانيين في أفغانستان. ثم أنتقل من الحزن الى الغضب والصحف البريطانية تصف كل جندي قتيل بأنه بطل، ما يعادل صفة شهيد عندنا. هؤلاء ليسوا أبطالاً، وإنما ضحايا على مذبح التبعية البريطانية للسياسة الأميركية. [email protected]