عجّت شوارع الجزائر في الخامس من تموز (يوليو) الجاري بمواكب سيارات الاحتفال، التي أطلق أصحابها وركابها من الشباب أبواق الفرحة وراحوا يرقصون مطلين من نوافذها ومستفيدين من فراغ الشوارع المكتظة عادة. فاليوم هو عيد استقلال الجزائر وعيد الشباب يرتاح فيه العاملون من العمل وتدفع الدولة أجر الراحة... لكن العيد هذه السنة تزامن مع الإعلان عن نتائج البكالوريا التي كانت مختلفة عن سابقاتها. فالطلبة نجحوا كما لم ينجح من قبلهم أحد. وعلى رغم مكانة عيد الاستقلال في قلوب الجزائريين الذين يرفعون الأعلام الجزائرية على شرفات منازلهم ويستذكرون قوافل الشهداء الذين دفعوا حياتهم ثمناً لهذا اليوم، تظل مظاهر الاحتفال عادة داخل البيوت وأمام شاشات التلفزيون التي تبث برامج خاصة للمناسبة فيما تطلق بعض الجزائريات الزغاريد تعبيراً عن الفرحة بهذا اليوم. لكن هذه السنة خرجت الاحتفالات الشبابية إلى الشوارع وكثرت الزغاريد حتى يخيل إليك أن كل البيوت تحتفل. ولم تتوقف المظاهر حتى اليوم التالي، ويكمن السبب في الإعلان عن نتائج البكالوريا التي سجلت هذه السنة نجاح أكثر من 61 في المئة من الطلبة المتقدمين وبمعدلات مرتفعة. ووصل عدد المتفوقين بمعدل 18 من عشرين، حوالى 46 طالباً وهو ما سمح لهم بدخول تاريخ نتائج البكالوريا من باب تقدير «امتياز»، في حين بلغ عدد الناجحين إجمالاً بتقدير، 92 ألفاً بينهم 5 آلاف بتقدير «جيد جداً» وبمعدلات تراوح بين 16 من عشرين و17.99 من عشرين، ما جعل رئيس الجهورية الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي يستقبل كل سنة المتفوقين بدرجة «جيد جداً» لتكريمهم، الاكتفاء هذه السنة باستقبال الممتازين. ثمرة الإصلاحات من قال ان الإصلاحات التي باشرها وزير التربية بو بكر بن بوزيد الملقب بعميد وزراء الجزائر (باعتباره أقدم وزير في حكومة) ليست إيجابية أو أنها أضرت بالتعليم كما يروّج بعض الأطراف في الجزائر خصوصاً النقابات وجمعيات أولياء التلاميذ والصحافة؟ فنتائج البكالوريا هذه السنة دليل على نجاح الإصلاحات، يقول وزير التربية، الذي هنأ نفسه ووزارته «على الإنجاز» ووعد بأن نتائج السنة المقبلة «ستكون أفضل». وذهب الأمين العام للوزارة بوبكر خالدي في الإتجاه نفسه إذ قال إن نتائج هذه السنة «كانت لتكون أفضل لولا بعض الظروف الطارئة التي شوشت العام الدراسي والتحصيل العلمي»، في إشارة إلى الإضرابات التي قامت بها نقابات التعليم وخصوصاً مجلس أساتذة التعليم الثانوي والتقني (كنابيست). واعتبر خالدي أن النتائج دليل على أن المدرسة الجزائرية التي انتقلت من الكم إلى النوع تجاوزت مرحلة النكبة التي لم تكن خلالها تسجل أكثر من 12 في المئة من النجاح، فيما هي اليوم مدرسة المتفوقين. وتجدر الإشارة إلى أن العشرة الأوائل من الناجحين في البكالوريا الجزائرية هذه السنة من الإناث وقد عبّرن جميعهن عن رغبتهن بالدراسة في كليات الطب والهندسة والصيدلة بالجامعات الأوروبية أو الأميركية، وليس الأمر بحسبهن تقليلاً من شأن الجامعات الجزائرية ولكنه مجرد تعبير عن طموح مشروع. وتوفر الجزائر اليوم ما يسمى بأقطاب الامتياز لاستيعاب أعداد الطلبة المتفوقين وهي جامعات خاصة بالنخبة من الناجحين، وكان عميد جامعة دالي إبراهيم أعلن عن إنشاء مرصد جامعي لمتابعة المتفوقين في البكالوريا ومرافقتهم من سنتهم الأولى في الجامعة إلى سنوات ما بعد التدرج (ماجستير، دكتوراه) من خلال إنشاء أقسام الامتياز التي تشرف عليها نخبة من الباحثين الجزائريين والأجانب. ارتياب من «تسييس النتائج» وبعدما تجاوزت مريم مرحلة الفرحة العارمة بنتيجة البكالوريا وحصولها على معدل 15 من عشرين، وبعدما سمعت عن نتائج غيرها والكم الكبير من المتفوقين، قالت: «لم يعد لنتيجتي طعم وأخشى ألا أستطيع دخول الكلية التي أريد على رغم معدلي الذي كان يتيح لي في السابق اختيار الاختصاص الذي أريد»، متوقعة أن يتم رفع معدلات الدخول لكليات الطب والصيدلة. أما سليم الذي نجح بمعدل 11 من عشرين ومن دون تقدير فقال مازحاً: «بالنظر للنتائج المعلنة فلا شك أنني ما كنت لأنجح لو بقيت الأمور حازمة كما كانت سابقاً... أعتبر نفسي محظوظاً ومع ذلك ما ذا سأفعل بهذا المعدل؟ أي كلية أدخل؟ ربما أتجه الى الجيش». وترى أوساط الجامعيين والنقابيين أن «النتائج سياسية» لا أكثر. وعلّق كثيرون بالقول انه «لو كانت الإصلاحات مجدية لكانت ظهرت نتائجها خلال السنة الدراسية، أما النجاح الكمي والفجائي فغير معقول»، معتبرين أن هذا المسار من شأنه تدمير التعليم وليس الخروج به إلى مصاف الدول المتقدمة.