قمة تشاد لدول الساحل والصحراء لا تحتاج الى ادلة لإثبات ان صوتها لن يتجاوز فضاء بلدان تعاني ويلات غضب الطبيعة وشتى أنواع النزاعات المسلحة والحروب العرقية والطائفية والقهر الاقتصادي. ومع ذلك فإن ثمة إصراراً على ان تعقد لقاءاتها الدورية في شبه انتظام، عسى ان ينتبه العالم الى مآسيها التي زادها التهميش تعقيداً. فقط هناك نقطة تجاذب وتقاطع تشد الاهتمام الى المنطقة، وتكمن في تداعيات الانفلات الأمني وتنامي الظاهرة الإرهابية التي حولت مثلث الموت الساحلي الى مركز استقطاب، فمن اجل السيطرة عليه قدم الأميركيون مشروعهم العسكري تحت يافطة «افريكوم» التي نظمت المزيد من المناورات لتأهيل جيوش المنطقة لخوض الحروب المفروضة ضد الإرهاب. وكذلك فعل الأوروبيون الذين انزعجوا إزاء توالي اختطاف رعاياهم في صحارى قاحلة، فيما انكفأت البلدان المغاربية المجاورة بين التفرج وتدبير المواقف على مقاس حسابات أقل ضيقاً. الى وقت غير بعيد، كانت الدول الأفريقية المنضوية تحت لواء تجمع الساحل والصحراء تنظر الى شركائها العرب في هذا التكتل الإقليمي على انهم بمثابة القاطرة التي ستجرها نحو آفاق رحبة من خلال تدفق المساعدات وتقديم الخبرات وإقامة تعاون شامل ضمن الحوار المتعثر الذي أطلق عليه جنوب – جنوب. غير ان أحلامها كانت تتبدد امام انحسار الدعم وانحباس أفق الحوار العربي – الافريقي. وإذا كان صحيحاً ان بعض الدول العربية أنفقت كثيراً من الأموال على مساعدة البلدان الافريقية، فالصحيح ايضاً ان مصدر المعاناة يكمن في عجز تلك البلدان عن تدبير ثرواتها والتحكم في مسارات تنميتها والوقوع فريسة للنزاعات والحروب وتسلط انظمة غير ديموقراطية، وإلا فما معنى ان تكون دول افريقية نفطية انضمت الى قوافل الجوعى واللاجئين والمشردين؟ وما معنى الإبقاء على منطق الاستجداء في علاقات كان يجب ان ترتقي الى إقامة شراكات حقيقية بين الدول العربية ذات الانتساب الافريقي ونظيرتها في الامتداد الاستراتيجي التي لا تستطيع من دونه تحصين الأمن وصون الوجود؟ لم يتوقف الحوار العربي – الافريقي فقط لمجرد ان اسرائيل اهتمت بتكريس سياسة التغلغل في افريقيا التي جلبت منها الفلاشا كما جذبت الاعترافات وتطبيع العلاقات. ولكنه تأثر بانكفاء الأوضاع العربية وتشرذم الجهود. وإنها لمفارقة ان يكون الرواد المؤسسون لمنظمة المؤتمر الإسلامي اهتموا بجذب دول افريقية، كما الآسيوية، الى مساندة معارك مصيرية، فيما لم تفلح جامعة الدول العربية في انتشال الحوار العربي – الافريقي من متاهات الجمود. الأكيد ان الدول العربية الأقرب الى الجوار الافريقي هي المعنية أكثر بهذا الدور. كما هو حال مصر والسودان والبلدان المغاربية الواقعة على خط التماس مع المجموعة الافريقية. غير ان علاقات هذه الأطراف مع امتداده الافريقي دخلت في نفق الرؤية المحدودة. ومن غير المفهوم ان تكون الدول العربية مهتمة بنقل خلافاتها مع بعضها الى الساحة الافريقية، بدل ان تقدم المثل في الاحتكام الى الوفاق والتضامن وحسن الجوار. ثمة تجربة سابقة للدول العربية داخل منظمة الوحدة الافريقية التي تأسست بمبادرة عربية طرحها الرئيس جمال عبدالناصر والملك محمد الخامس الى جانب زعماء أفارقة أمثال نكروما وسيكوتوري، فقد تعرضت لأزمات نتيجة ثقل الخلافات العربية – العربية، وما زالت نسختها المنقحة تحت اسم الاتحاد الافريقي تعاني تداعيات تلك الخلافات، ما يتطلب في اقل تقدير ان ينأى تجمع دول الساحل والصحراء عن السقوط في ذات المزالق. من المستبعد ان يجد تجمع «سين صاد» وصفات سحرية لأزمات مستشرية مثل الأوضاع في الصومال ومعضلات السودان وهزات النيجر ونكبات بلدان افريقية أخرى. لكنه يستطيع ان يتخذ من الجهود الدولية المبذولة في نطاق ما يُعرف بالحرب على الإرهاب مدخلاً لمعاودة ترتيب العلاقات العربية – الافريقية، اقله في امتدادات الجوار المغاربي. الفرصة سانحة لجذب الاهتمام الدولي الى ما هو أبعد من خوض حروب الأسلحة واستبدال حروب التنمية بها في فضاء دول الساحل والصحراء. فقد جرب الأوروبيون وصفة الحوار الأوروبي – الافريقي. كما أبدى الأميركيون المزيد من الانشغال بالأوضاع في افريقيا. ولا يتطلب الأمر أكثر من إبداء الدول العربية الأعضاء في التجمع قدراً مماثلاً من الاهتمام من دون شروط مسبقة، فقط معاودة تقليب صفحات رهان المصير المشترك.