تسعى ألمانيا الى محو صورة «العملاق الاقتصادي، لكن القزم السياسي» التي تلازمها منذ عقود، طامحة إلى تأدية دور أكبر في المستقبل على الصعيد العسكري في إطار حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وبدأ هذا الاتجاه قبل 20 سنة، وسيصبح نصاً مكتوباً في خريطة الطريق الجديدة للسنوات المقبلة لكل من الجيش الألماني ولسياسة الأمن القومي التي ستعرضها وزارة الدفاع الألمانية الأربعاء، في كتاب أبيض هو الأول بعد كتاب العام 2006. وتسعى ألمانيا على المدى الطويل أيضاً الى «وحدة دفاعية» بين بلدان الاتحاد الأوروبي، وهي محاولة حذرة لإعادة إحياء مشروع مجموعة الدفاع الأوروبي المقترح عام 1954 الذي تم التخلي عنه بعد رفض فرنسا له، في وقت تبحث أوروبا عن رؤية جديدة بعد صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد. وورد في نص خريطة الطريق الجديدة انه «بات ينظر الى ألمانيا أكثر فأكثر على أنها لاعب مركزي في أوروبا». وأضاف النص أن «ألمانيا لديها مسؤولية المساهمة في شكل نشط في تشكيل النظام العالمي»، وأنها مستعدة «لتحمل مسؤولياتها وأخذ زمام المبادرة» في مواجهة التحديات «الأمنية والإنسانية». ويعتبر تغيير النهج مهماً بالنسبة الى ألمانيا التي غالباً ما تواجه انتقادات، بأنها تسعى الى التمتع بازدهارها والبقاء في الوقت نفسه على الحياد. وينجز الكتاب الأبيض مسيرة التطور البطيء، لبلد دفعه ماضيه النازي والعسكري الى محاولة التأثير السلمي في الرأي العام الى حد كبير. وسمح قضاة المحكمة الألمانية العليا عام 1994 للبلاد بالمشاركة في عمليات حفظ السلام المتعددة الأطراف. وينتشر الجنود الألمان حالياً في مسارح عمليات عدة، بدءاً بكوسوفو أو افغانستان ومالي. وأرسلت ألمانيا للمرة الأولى أسلحة الى مجموعة منخرطة في نزاع، هم عناصر البيشمركة الأكراد في العراق الذين يقاتلون ضد تنظيم «داعش». وسيشهد الجيش الألماني ثورة صغيرة مع أول زيادة في معدلات الالتحاق بصفوفه منذ نهاية الحرب الباردة، بعد أن كان اشتكى في السنوات الأخيرة من عدم تجهيزه في شكل كاف. وتعتبر ألمانيا ايضاً إحدى الدول المسؤولة عن قيادة اربع كتائب من حلف شمال الأطلسي ستعمل بنظام المناوبة في أوروبا الشرقية ابتداء من عام 2017، لمواجهة التهديد الروسي. وأثار هذا الإجراء الذي اتخذ خلال قمة وارسو جدلاً واسعاً في ألمانيا، حتى داخل حكومة انغيلا مركل الائتلافية، اذ رأى فيها أعضاء الحزب الاشتراكي الديموقراطي خطوة تصعيدية ضد موسكو. وفي محاولة لطمأنة الحلفاء، يتحدث الكتاب الأبيض بوضوح عن الطموح الجديد لألمانيا في الإطارين الأطلسي والأوروبي. وأوضح النص ان «ألمانيا تهدف على المدى الطويل الى اتحاد أوروبي أمني ودفاعي مشترك». في الوقت الراهن، يتعلق الأمر أساساً باستخدام كل إمكانات التعاون العسكري التي تسمح المعاهدات الأوروبية باللجوء اليها، وب «تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية» من خلال مقاربات مع فرنسا على وجه الخصوص. لكن الكتاب الأبيض لم يذهب الى حد الحديث عن جيش أوروبي وان كان المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر تحدث بإيجابية عن هذه الفكرة في مقال نشرته أسبوعية «دي تسايت». واقترح أن تقوم باريس وبرلين ب «حشد مواردهما» في شكل «مؤسساتي» في السياسة الخارجية والأمن.