أرادت وزيرة المال اللبنانية ريا الحسن، تسليط الضوء على ما أُنجز في مجال المالية العامة في ظلّ حكومة الوحدة الوطنية، ويتمثّل في ولادة مشروع الموازنة الأول بعد انقطاع دام أربع سنوات، على رغم التأخير من المهل الدستورية لتقديمها بسبب ما دار حولها من سجالات سياسية. واعتبرت في حديث إلى «الحياة»، أن الأهم من إقراره في مجلس الوزراء ووصوله إلى المجلس النيابي وبدء مناقشته في إطار لجنة المال والموازنة، أنه «يؤسّس لموازنة استثمارية وليس فقط للانفاق من الحساب الجاري»، مع العلم أن في موازنة هذه السنة «إنفاقاً إضافياً في الحساب الجاري تنفيذاً لالتزامات وردت في قوانين سابقة». وتوقعت ألا «يزيد هذا الإنفاق في مشروع موازنة عام 2011». ولفتت إلى الإنفاق الاستثماري «الضخم» في مشروع هذه السنة، والبالغ 3219 بليون ليرة (2135 مليون دولار) والذي يشكل نسبة 6.3 في المئة من الناتج، مقارنة ب 819 بليون ليرة عام 2009 أي 3.4 في المئة من الناتج، وهو «إنجاز بذاته»، بُني على «خطط قطاعية مدروسة وواضحة، مرفقة بمشروع قانون لإشراك القطاع الخاص، تحديداً القطاع المصرفي»، ليساهم في جزء كبير من التمويل في ضوء الفائض من السيولة الممكن التصرّف به في المشاريع الطويلة المدى. رأت الحسن «فرصة ذهبية للبنان حالياً، يجب اقتناصها في ظل المؤشرات الاقتصادية الإيجابية والجيدة، وحكومة وحدة وطنية تلتزم الإصلاحات، وتترجم ذلك بالقرارات التي تتخذها في هذا المجال». وشددت على ضرورة «تحييد الشأن الاقتصادي عن السجالات السياسية، خصوصاً أن مجلس الوزراء مجتمعاً مقتنع ومتوافق على أن هذه القرارات تصب في مصلحة جميع الأفرقاء في البلد». وأكدت أهمية «الاستمرار في احتواء الدين العام والعجز»، ولم تستبعد ذلك في «حال استمرار النمو»، معلنة تمسّكها «بمعدّل النمو الوارد في مشروع الموازنة والبالغ 4.5 في المئة، في انتظار توقعات جديدة لمصرف لبنان وصندوق النقد الدولي عن هذا المعدل والتي ستُبنى على النتائج المحققة في النصف الأول من العام الحالي ويرتقب أن تكون بين 7 و8 في المئة». ولفتت إلى أن «تقديرات الدين العام هي في حدود 83 ألف بليون ليرة لهذه السنة». ولاحظت «بروز مؤشرات الى بدء استقرار الأسعار في القطاع العقاري»، وشددت على أن «معظم الطلب الذي شهدته هذه السوق في الأعوام السابقة كان من جانب اللبنانيين المقيمين والمغتربين». وكشفت عن أن الوزارة «باشرت في تنظيم عملية التخمين العقاري لتحديد معدلات ثابتة لرسوم التسجيل». وتوقعت نمو الودائع بنسبة 11 في المئة هذا العام مقارنة ب 24 في المئة العام الماضي. وعن المراحل التي قطعها مشروع الشراكة مع القطاع الخاص، أوضحت أن «البحث مستمر في مشروع إطار القانون الذي ينظّم هذه العملية. وإذا كان لديها تصوّر لتوقيت بدء تنفيذ الخطوة الأولى على طريق الشراكة، أعلنت الحسن أن «التنفيذ سيبدأ مباشرة بعد إقرار القانون»، مرجّحة ذلك في نهاية هذا الصيف، لافتة إلى أن «العمل على المراسيم التطبيقية يسير بالتزامن مع وضع الصيغة النهائية». واعتبرت أن هذا القانون «يمنح ثقة للقطاع الخاص وحماية لاستثماراته وكذلك بالنسبة إلى القطاع العام». وافترضت أن القطاع الخاص «بدأ التحضير أيضاً لهذه الشراكة بدرس خياراته وانتقاء المرافق التي سيساهم في تمويلها». وعن المرفق الأول الذي اختارت الحكومة البدء بورشة تطويره، أشارت الحسن إلى قطاع الطاقة الذي «جَهُزَت خطته بعدما أقرّها مجلس الوزراء وهي واضحة»، لافتة إلى «رصد 1700 بليون ليرة (1.2 بليون دولار) في موازنة هذه السنة وهي حصة الدولة اللبنانية في التمويل، على أن ترتفع على مدى تنفيذ الخطة وهو أربع سنوات لتصل إلى 1550 مليون دولار، وستنسّق وزارتا المال والطاقة والمياه لتحريك آلية هذا التمويل الإضافي». وسيتأمّن المبلغ المتبقي من كلفة الخطة الإجمالية البالغة 4870 مليون دولار، على أساس 2320 مليون دولار من القطاع الخاص، ومن الجهات المانحة 1000 مليون (قروض ميسّرة)، «بعد إقرار قانون الشراكة». ولفتت إلى «رصد نفقات استثمارية أخرى لقطاع الاتصالات لإنشاء شبكة الألياف البصرية والتي يُفترض المباشرة بها». وأعلنت وزيرة المال اللبنانية «بدء العمل على مشروع موازنة عام 2011 لإنجازه ضمن المهل الدستورية، وسيكون مبنياً على الأطر ذاتها لمشروع هذه السنة، لكن حجم الإنفاق الاستثماري لن يوازي ذلك المرصود هذه السنة، لأن المالية العامة غير قادرة على تحمّل مزيد من هذا الإنفاق، لذا سيكمّل المبلغ المرصود العام المقبل ما سنبدأ تنفيذه هذه السنة». وأكدت أن «الأولوية بالنسبة إلينا في وزارة المال، وفي ظلّ ما تشهده اقتصادات دول العالم نتيجة أزمة المال، هي الاستمرار في احتواء الدين العام والعجز». وافترضت إمكان «تحقيق مزيد من الخفض في الدين العام إلى الناتج المحلي هذه السنة (من 148 إلى 147 ) والعام المقبل، في حال استمر النمو الذي ينتج واردات بالتزامن مع اعتماد نفقات استثمارية محدودة وترشيد الحساب الجاري». وعن تطوير قطاع المياه، قالت الحسن أن وزير الطاقة والمياه جبران باسيل «بدأ إعداد خطة لهذا القطاع». وشدّدت على اقتناعها بأهمية هذا القطاع وبناء السدود وحاجات البلد المتزايدة إلى المياه في السنوات المقبلة، لكن «لكي يكون الإنفاق مدروساً ومبنياً على أسس واضحة يجب المباشرة بخطة لهذا القطاع». وفي شأن مصير المبالغ المتبقية من تعهدات «باريس – 3»، أكدت وجود «مبلغ 800 مليون دولار موزّع بين قروض ميسّرة وهبات، ومشروط صرفه بتحقيق بعض الإنجازات في عملية الإصلاح خصوصاً في قطاعي الاتصالات والكهرباء». وكشفت عن العمل مع الجهات المانحة على «إعادة النظر في هذه الشروط، في ضوء التزام الحكومة الجدي بالإصلاحات»، من دون أن تنفي «تجاوب بعضها وتحفّظ أخرى». ولم تغفل وجود «جزء آخر من هذه التعهدات غير مرتبط بشروط، بل بمشاريع قوانين لا يزال جزء منها في المجلس النيابي ويُنتظر إقرارها، فضلاً عن جزء أخير يتصل باتفاقات تمويل محددة». أما المرفق الأول والأهم في تغذية الخزينة، فأوضحت أنه «الضريبة على القيمة المضافة التي بلغت 2889 بليون ليرة عام 2009 ويُتوقع أن نجبي بواقع نحو 3 آلاف بليون هذه السنة، فيما تنتج المحروقات ألف بليون ليرة سنوياً»، لذا لا ترى مجالاً «لخفض الرسوم على مادة البنزين لأنها تمثل مورداً مهماً للخزينة». ورأت أن الحلّ «ليس بخفض السعر، بل بتأمين شبكة نقل متطورة، وهذا الحل لن يكون بسحر ساحر بل سيتحقق تدريجاً»، لافتة إلى أن وزارة النقل «تعدّ خطة في هذا المجال، وسيكون للقطاع الخاص دور أساس في تنفيذها». وعن استحقاقات الدين لهذا العام والعام المقبل، قالت إن «المبلغ المتبقي لهذه السنة هو بليونا دولار، وسنطرح الإصدار لإعادة تمويله في الربع الأخير من هذه السنة. أما بالنسبة إلى استحقاقات العام المقبل، فتبلغ 3.4 بليون دولار». وأكدت أن «السند اللبناني يلقى إقبالاً من الأسواق الخارجية».