قليلاً ما تنشر دار «زوركامب» الألمانية العريقة روايات عربية مترجمة. هناك استثناءات بالطبع، مثل رواية نجيب محفوظ «ثرثرة فوق النيل» التي كان الأكاديمي المصري ناجي نجيب ترجمها في الثمانينات ونشرها لدى دار صغيرة، ثم أعادت «زوركامب» نشر الرواية نفسها في سياق استضافة الثقافة العربية في معرض فرانكفورت. والآن اختارت «زوركامب» رواية «مريم الحكايا» للكاتبة اللبنانية علوية صبح لتقديمها للقارئ الألماني بترجمة اللبنانية ليلى شماع. وليس من المستغرب أن تلفت الرواية الأنظار خارج العالم العربي بعد أن حققت نجاحاً كبيراً داخله، لجرأتها وشكل السرد فيها الذي يقترب من سرد «ألف ليلة وليلة» المشوق للقارئ الغربي خصوصاً. في «مريم الحكايا» تروي علوية صبح قصة الحرب الأهلية اللبنانية من منظور ثلاثة أجيال من النساء، جيل الجدات والأمهات والبنات؛ وهذا ما دفع الروائية الألمانية كاترين شميت – الفائزة العام الماضي بجائزة «الكتاب الألماني» المرموقة – إلى اعتبار هذه الرواية اللبنانية «تأريخاً أنثوياً للبنان». وتقول شميت في مقالتها التي نُشرت في صحيفة «دي تسايت» الأسبوعية إن هذه الرواية تحاول «وصف ما لا يوصف» و«تفتيت الكارثة الكبيرة لتصل إلى حد إنساني». في مقالتها قارنت الكاتبة الألمانية بين رواية «مريم الحكايا» وبين الفيلم الألماني المشهور «الشريط الأبيض» للمخرج ميشائيل هانيكه، وهو الفيلم الذي حاز جوائز عديدة أهمها «السعفة الذهبية» في مهرجان «كان» العام الماضي. وترى شميت أن إنجاز الفيلم كما الرواية إنما يكمن في الكشف عن آليات القمع والعنف داخل العائلة، وكيف أن تلك الآليات تقود في النهاية إلى تفجر الحروب والصراعات الدامية، أي الحرب العالمية الأولى والثانية في الفيلم والحرب الأهلية اللبنانية في الرواية. أما شتيفان فايدنر – الذي عُرف بترجماته الشعرية عن العربية – فيعتبر «مريم الحكايا» إحدى أكثر الروايات النسائية جرأة في الأدب العربي، داعياً القراء، لا سيما في الغرب، إلى اكتشاف هذه الرواية، «ويا له من اكتشاف!» إن الناقد – يقول فايدنر في مقاله في صحيفة «فرانكفورتر ألغماينه» – يقف عاجزاً ومبهوراً أمام ثراء هذه الرواية وصدقها وما تزخر به من حكايات حيوية. بل إن إعجاب فايدنر برواية «مريم الحكايا» بلغ به حداً جعله يشبه الإنجاز الروائي لعلوية صبح بكتابات النمسوية حاملة نوبل إلفريده يلينك. أما الصحافية سوزانا شاندا فتشير في صحيفة «نويه تسوريشر» السويسرية إلى مهارة الكاتبة في سرد تفاصيل احتياجات البشر العادية في خضم الحرب الأهلية المدمرة. بهذه الحكايات - تقول شاندا - نجحت «شهر زاد الحديثة» في مواجهة الموت من دون إنكاره.