أعاد الشاعر البريطاني الإرلندي الأصل توم بولين كتابة مسرحية «ميديا» في اللغة الإنكليزية، بعد ألفين وخمسمئة عام من تاريخ كتابتها، مجدداً حضور تراجيديا المسرحي اليوناني يوريبيدس في الإنكليزية، مستخدماً اللغة المحكية، في إشارة مواربة إلى أهمية هذا العمل الإغريقي القديم القادر على إلقاء الضوء على الصراعات البشرية حتى المعاصر منها. فمسرحية «ميديا» تحكي عن الغيرة في ذروتها، عن المرأة التي تقتل ابنيها منتقمة من زوجها الذي يخونها. ويبدو أن بولين، الذي سبق له، أن كتب ملحمة شعرية مطولة عن مآسي الحرب العالمية الثانية، يجرب حظه في إعادة انتاج عمل تراجيدي إغريقي يضيء جانباً آخر من صراعات البشر، علاقة الرجال والنساء، وعاطفة الغيرة في أقصى حالات جنونها واضطرابها. لكن بولين يعيد قراءة العمل بطريقة معاصرة حيث ميديا امرأة مضطهدة من قبل زوجها، تنتقل من أرض البرابرة إلى البلاد المتحضرة، وتكون مهددة في منفاها بالطرد والترحيل، ما يجعل المسرحية، التي كتبها بولين لفرقة نورثرن برودسايدس، ترجع بعض صدى الحياة الإنسانية المعاصرة. اللافت في حياة بولين أنه على رغم ولادته في إنكلترا إلا أنه نشأ في بلفاست وشاهد الصراع الناشئ في إرلندا الشمالية حتى أصبح الوضع في إرلندا مهيمناً على مادة شعره وجذور تفكيره وكتاباته النقدية وعلاقة الشعر بالدولة الحديثة. ويعد بولين واحداً من أفضل شعراء من يطلق عليهم «شعراء أولستر» Ulster Poets، وهم مجموعة الشعراء الذين يكتبون إنطلاقاً من خلفية الصراع الدائر في إرلندا الشمالية بين الكاثوليك والبروتستانت. صعد نجمه في أواسط السبعينات عندما نشر مجموعته الشعرية في عنوانها شديد الإيحاء والمتصل بصورة وثيقة بالموضوع الإرلندي: «جمهورية العدالة» وتتكون قصائد هذه المجموعة من مشاهد ومواقف وأحداث وحكايات متصلة بطفولة بولين في بلفاست، ومن حكايات ومشاهد من حياة عائلته وأصدقائه، وهي تصف الأماكن والأشخاص، وتطور هذا الوصف إلى نوع من البحث والاختبار لحالات الوجود الشخصي والإجتماعي منتهية إلى التعبير عن تلك الحالات بوصفها قوى رمزية. ما هو لافت في شعر بولين تركيزه على فكرة العدالة، وبحثه الدائب عن صيغ تحققها في هذا العالم المسكون بالصراع. ومن ثمّ فإن قصائده، سواء في «جمهورية العدالة» أو في ما تلاها من مجموعات، تبحث مفهوم العدالة بوجوهه الفردية والجماعية، الطبيعية وتلك المتصلة بالدولة والمؤسسات، مركزة على التوتر الناشئ بين العدالة، بوصفها رغبة إنسانية في المساواة، وتسييس هذه الرغبة بما يحمله هذا التسييس من تأويل للعدالة بوصفها مكافأة لا حقاً طبيعياً من حقوق البشر. ولد توم بولين في مدينة ليدز الإنكليزية عام 1949 ونشأ في بلفاست الإرلندية حيث أنهى دراسته الثانوية. لكنه تعلم في جامعة هل Hull (في الفترة نفسها التي عمل فيها الشاعر البريطاني فيليب لاركن أميناً لمكتبة الجامعة)، لينتقل بعدها إلى جامعة أكسفورد. وقد عمل بولين في جامعة نوتنغهام وهو يعمل الآن أستاذاً للأدب الإنكليزي في كلية هيرتفورد بجامعة أكسفورد، كما أنه ساهم بصورة منتظمة في التعليق على الكتب في برنامج Late Review The الذي يذيعه التلفزيون البريطاني. نشر بولين عدداً من المجموعات الشعرية: «مواقع نظرية» (1975)، «المتحف الغريب» (1980)، و «شجرة الحرية» (1983)، و «المشي في سرب» (1994)، وهو عنوان مستوحى من ملاحظات للرسام بول كلي يقول فيها إن الرسم يشبه اتخاذ القرار بالمشي على جانب معين من الشارع، و «كلب الريح» (1999)، كما أعد بعض نصوص سوفوكليس وإسخيلوس للعرض المسرحي محوراً التراجيديات اليونانية لتناسب موضوعات الصراع في إرلندا الشمالية، وكتب عدداً من الكتب النقدية: «توماس هاردي: شعر الملاحظة ونفاذ البصيرة» (1975)، و «المينوطور: الشعر والدولة القومية» (1992)، و «نجمة صبح الحرية: أسلوب وليام هازلت الجذري» (1998). كما أنه أصدر في السنوات اللاحقة عدداً من الكتب والمختارات التي تركزعلى أثر الناقد والشاعر والفيلسوف والنحوي وليام هازلت، مبرزاً دور هذا الكاتب المولود في القرن الثامن عشر، والذي يعد من اهم الناثرين في الأدب الإنكليزي. وبولين لا يحصر اهتمامه الشعري بما حصل في إرلندا الشمالية فقط، بل إن قصائده الغاضبة الحادة، والمباشرة أحياناً، تتناول الصراع في العالم كله. وكان كتب في مجموعته «المشي في سرب» التي نشرها بعد وقت قصير من اتفاق أوسلو قصيدة بعنوان «دولة فلسطين الحرة»، كما كتب قصيدة عن محمد الدرة.