يبدو طبيعياً أن يلجأ الحزب الوطني الحاكم في مصر إلى سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تحسين صورته بين الناس قبل الانتخابات البرلمانية المهمة المقررة بعد شهر رمضان المبارك المقبل. وعلى ذلك يمكن فهم تصريحات رموز الحزب حول محاربة الفساد والتصدي للفاسدين، ومن غير المستبعد أن تشهد الفترة المقبلة وحتى قبل موعد فتح باب الترشح للانتخابات كشفاً لبعض الوقائع المتعلقة بالفساد. طبيعي أيضاً أن يتمنى المواطن في مصر حرباً لا هوادة فيها ضد الفساد خصوصاً بعد أن ذهبت تحليلات إلى أنه تحول إلى ثقافة كادت تسود ولا يتوقف أمرها فقط عند ممارسات بعض أصحاب النفوذ أو السلطة أو الثروة. ولا زالت وسائل إعلام مصرية تتناول عبارة النائب الدكتور زكريا عزمي، وهو في الوقت نفسه رئيس ديوان رئيس الجمهورية، التي قالها أثناء احدى جلسات مجلس الشعب واعتبر فيها أن الفساد في قطاع المحليات في مصر «وصل إلى الركب» أي إلى منتصف الساق، وهو تعبير مصري دارج ينطبق عادة على الصفة السيئة عندما تسود، غير أن وسائل الإعلام نفسها لا تمل من التأكيد على أن عبارة عزمي أطلقت قبل سنوات وأن الفساد الآن ربما وصل إلى العنق، في حين يذهب بعض الناس الى أن البسطاء والفقراء ربما أصبحوا غرقى في بحر الفساد. عموماً سينال المواطن البسيط فوائد إذا شُنَّت حرب ضد الفساد، إذ ستعود أموال منهوبة إلى خزينة الدولة أو على الأقل سوف يتوقف النهب، كما سيتمكن المواطنون من الحصول على حقوقهم من دون أي تفريق بينهم. غير أن الأهم من كل ذلك ألا تكون حقوق المواطن مجالاً لما يطلق عليه «الرشاوى الانتخابية» أي الميزات التي تقدم إلى الناخبين للفوز بأصواتهم قبل كل انتخابات. ويعرف المصريون أنه في بعض الأحيان تحوي هذه «الرشاوى» ما يخالف القانون كايصال الكهرباء أو المياه أو باقي الخدمات إلى مساكن مخالفة مثلاً. وفي شأن الفساد، فإن محاربته والتصدي له ومواجهته أمور يجب أن تتحول إلى ثقافة بغض النظر عن خطط «الحزب الوطني» وحكومته في التنمية التي قد تنجح أو تفشل، إذ لا يجب أن يكون هناك مجال أصلاً لحديث عمّا إذا كان الحزب يحارب الفساد في فترة ويتستر عليه في أخرى، إذ أن ذلك في حد ذاته نوع من الفساد. صحيح أن وزراء سابقين أو محافظين تركوا مواقعهم وأن مسؤولين في قطاعات مهمة خضعوا لمحاكمات في قضايا تتعلق بالفساد، لكن الصحيح أيضاً أن كل هؤلاء قدمت ملفاتهم بعدما تركوا مواقعهم وخسروا النفوذ والسلطة. ويتساءل المصريون لماذا لم يحاكم هؤلاء أثناء وجودهم في مواقعهم المهمة؟ والملفت أن قضايا أخرى تتناولها وسائل الإعلام المصرية الآن تتعلق بالفساد ولا ترد عليها الحكومة أو أي مسؤول فيها إلا بعدما يحتدم الجدل حولها وعادة ما تحوي الردود اتهامات للإعلام بافتعال الأمر أو الترويج له من دون أدلة أو السعي إلى التشهير ب «الشرفاء»، وتغفل الردود أن كل وسيلة إعلام لا ترغب في أن تبدو أمام جمهورها من القراء أو المستمعين أو المشاهدين كاذبة، فإذا حرص المسؤولون على الرد بسرعة وبالحقائق كلما أثيرت قضية فساد فإن نشر المعلومات عن قضايا وهمية سيتوقف، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يتصور أي طرف في الحكم أن الناس ليس لديهم عقول يستخدمونها للحكم على الأمور وإدراك ما إذا كانت هناك رغبة في التستر على قضية .. أو كشفها.