مطالب أساتذة التعليم الثانوي في لبنان بعيداً من الاصطفافات الطائفية رداً على مقالة وضاح شرارة بعنوان «تحميل الحركات المطلبية الدولة والمجتمع فوق طاقتهما... وجه من سياسة في لبنان «اجتماعية - قومية، أهلية وباهظة» («الحياة» 30/6/2010): كتب الأستاذ وضاح شرارة مقالة عن إضراب أساتذة التعليم الثانوي، وامتناعهم عن التصحيح، صدّرها بصورة تظاهرة لم يرَ منها إلا بعض الرموز النقابية الذين كانت تربطه بهم وشائج قربى فكرية وسياسية، فكتب مستوحياً من الصورة، راجماً أساتذة التعليم الثانوي بسيل من الاتهامات. واللافت في المقالة ذلك الخلط المريع بين حركة مطلبية قطاعية ديموقراطية سلمية، من جهة، والحرب الأهلية اللبنانية، وسلاح المقاومة، وحقوق الفلسطينيين، والملف النووي الإيراني، والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وسورية، والغمز من قناة الرئيس نبيه بري (حملة ال11 بليون دولار) والنائب وليد جنبلاط (زائر بعد الظهر الدمشقي) من جهة ثانية. وفي هذا الخلط واحد من أمرين: إما جهل بحقيقة الأمور، أعتقد أن الأستاذ شرارة منزّه عنه، وإما استغباء خبيث للقارئ يحمل حقداً على الأساتذة. والملاحظ أن كاتب المقالة لم يلتزم جانب الموضوعية، بل نصّب نفسه محامي دفاع عن النظام والسلطة في أدوارها المختلفة، فلم يكلّف نفسه عناء البحث عما يدعم موقفه سوى أن الدولة جددت تقويم الرواتب في تسعينات القرن الماضي على معايير مالية ووظيفية مختلفة، من دون أن يلتفت الى أن تلك المعايير اقتطعت من راتب أستاذ التعليم الثانوي 60 في المئة كان يتقاضاها بدل زيادة في ساعات العمل بحسب القانون 66/53 منذ العام 1966، وأبقت على ساعات العمل التي ينفذها أساتذة التعليم الثانوي منذ عام 1996 من دون أجر. ويتهم السيد شرارة الرابطة بأنها بادرت الى منع لجان التصحيح من الاجتماع والعمل، وحالت عنوة دون بلوغ المصححين مكاتب الوزارة، فمن جهة يتهم الرابطة بالمبادرة الى المنع، ومن جهة ثانية يتحدث عن مفاوضات طويلة، (والمفاوضات امتدت سنة بل سنوات)، وفي ذلك صبر وأناة يناقضان روح التسرع في المبادرة، ناهيك بأن المفاوضات تخللتها إضرابات رمزية واعتصامات وتظاهرات سبقت «أبغض الحلال» الذي لجأ إليه الأساتذة، مع أنه زيّن مقالته بصورة إحدى هذه التظاهرات التي اعتبرتها بعض وسائل الإعلام أنها أعادت النبض الى الشارع اللبناني، بعد أن أوهنته السلطات المتعاقبة بالمحاصصة والمساعدات الرشوية والطائفية. ولعل الكاتب يجهل آلية القرار في رابطة التعليم الثانوي، حيث تبدأ بتوصية تمرّ بمجلس المندوبين، ولا تصبح نافذة إلا إذا وافقت عليها الجمعيات العمومية للأساتذة في لوائح اسمية من كل الثانويات. ويرى الأستاذ شرارة أن دعوى الإضراب الاجتماعية والمعيشية تلتبس بدعاوى «وطنية» وأهلية «سياسية» «بحراسة نقابيين محترفين ينتسب معظمهم، ثقافة وذهنية، إن لم ينتسبوا تنظيماً الى يسار جهازي شيوعي وقومي، وأخيراً إسلامي، على رغم انهيار اليسار الجهازي هذا منذ الهزيمة الفلسطينية في لبنان، (كذا) ويرى أن هؤلاء «ينوبون عن جسم تعليمي مستقر وشائخ»، وكأن السيد شرارة لم يرَ في الصورة سوى شيبة الزميلين عصمت القواص وفؤاد عبدالساتر، وعمي عن منظر الشباب فيها، وأكثرهم ممن ولدوا بعد عام 1976، وكي يقنع الناس راح يخاطب بعض الغرائز من خلال المشابهة بين الحقوق المكتسبة لأساتذة التعليم الثانوي، وحقوق المقاومة الخمينية على حد تعبيره. وهنا أحيل الأستاذ شرارة وأحيل القارئ الى البيانات الصادرة عن قطاعات المعلمين في الأحزاب اللبنانية، من اليمين الى اليسار، ومن جماعة آذار وخارجه، وآخرها ما صدر عن تلك المكاتب من مركز «تيار المستقبل»، وكلها تدعو الدولة الى تلبية مطالب الأساتذة، وتقف داعمة الهيئات النقابية. فهل خرق هذا اليسار الجهازيّ كل الأحزاب اللبنانية، وراح يتحدث باسمها؟ ولعل شرارة يظلم الأساتذة أيّما ظلم حين يربط مطالبهم، وغياب بعض الأساتذة أو سفرهم في فترة الحرب الأهلية، وتقاضيهم رواتبهم باعتبارهم مداومين. فإذا كان الأساتذة غير مسؤولين عن الحرب الأهلية التي كان الكاتب أحد المنظرين فيها، فإن ذلك لا يبرّئ المخالفين من الاحتيال على القانون، ولا يبرّئ الموظفين الذين كانوا «يغطون» هذه المخالفات، ويقبضون أكبر الرواتب لقاء العودة الميمونة المظفرة للمتغيبين. وهنا غاب عن ذهن الكاتب أن عدداً كبيراً من الأساتذة «المناضلين»، كما يصفهم بسخرية، فتحوا المدارس والثانويات الرسمية في أقسى أيام الحرب، وصححوا امتحانات طلابهم على خطوط التماس تحت القصف والتهديد بالخطف. ولعل السيد شرارة كان من مؤيدي تلك الخطوة، فهل أصيب الناس بفقدان الذاكرة؟ زد على ذلك أن أساتذة التعليم الثانوي هم ممن دخلوا مهنة التعليم حديثاً، ولعل عدداً كبيراً منهم هم في عمر الشباب، وممن لم يكونوا قد ولدوا في الفترة التي يتحدث عنها الكاتب. وأخيراً يحمّل السيد شرارة أساتذة التعليم الثانوي مسؤولية الدين العام، مع علمه أن المسؤول عن هذا الدين هو السلطة بأركانها المتعاقبين في العقدين الماضيين، من دون إغفال كلفة الحرب الأهلية التي عايشها السيد شرارة وعاينها، وشارك فيها منظِّراً. إن أساتذة لبنان في قطاعات التعليم المختلفة، سيستمرون في النضال دفاعاً عن حقوقهم، ولن يستطيع أحد بلوغهم، فمن يركض لنفسه يختلف عن الذي يركض لوليّ نعمته. وما هذا التحرك سوى عودة ميمونة للحركة الشعبية اللبنانية الى موقعها الطبيعي في النضال بعيداً من الاصطفافات الطائفية والمذهبية، ولكنها تحتاج الى مزيد من الجهد والرعاية، ليكون الانتماء انتماء الى الوطن لا الى الطائفة والمذهب. الدكتور حسن إسماعيل - لبنان فرنسا واليونيفيل تعليقاً على موضوع «ماذا وراء حملات المعارضة اللبنانية على فرنسا؟» (رندة تقي الدين، الحياة، 14/7/2010) ما ذكرته الكاتبة عن موقف فرنسا من العدوان على لبنان عام 2006 - غير دقيق - إذ انها كانت من الدول التي رفضت وقف إطلاق النار من دون نزع سلاح المقاومة وكل مشاريع القرارات التي قدمتها كانت في هذا السياق، وهي كانت شريكاً سياسياً في العدوان وكانت تهدف من إشراك قواتها باليونيفيل التدخل بالقوة من أجل فرض ذلك. لكن ولحسن الحظ لم يتسن لها ذلك. سالم موسى (موقع الحياة الإلكتروني)