في بداية العام 2009، ومع بداية الأزمة المالية مباشرة، كتبت مقالاً في هذه الصفحة بعنوان «الصين تشتري العالم»، أشرت فيه إلى استفادة «التنين» من الأزمة بشراء شركات عالمية في كل القطاعات والدول. وكان مما اشترت الصين جزءاً من شركة «بيتروباس» النفطية في البرازيل ب 10 بلايين دولار، ووقّعوا عقداً مع روسيا للاستثمار وإمدادهم بالنفط ب 25 بليون دولار، ومثله مع فنزويلا ب 16 بليون دولار، وأنفقت 19 بليون دولار للاستثمار في «ريوتينتو»، وهي من كبريات شركات استخراج الألومنيوم العملاقة في أستراليا ومثلها 1.7 بليون دولار مع شركة «اوز مينرال» لإمدادهم بالزنك. ويجري الحديث عن استثمار «التنين» 2.23 بليون دولار لشراء جزء من إحدى شركات النفط البريطانية. وأذكر أن أحد المعلّقين الاقتصاديين قال في تلك الفترة إن «الصين إذا ما استمرت على هذا النشاط الاستثماري فإنها ستشتري العالم خلال شهرين». يومها تساءلت عن «نوم» استثماراتنا، وغياب صناديقنا السيادية للاستفادة من الفرص التي تناثرت برخص، بما ينوع استثمارنا، ويقلل اعتمادنا على مصدر وحيد، ويجعل تأثيرنا وكلمتنا مسموعة عالمياً. هذا الأسبوع، اطلعت على تقرير نشرته إحدى الصحف المتخصصة عن استثمارات الشقيقة قطر في لندن، وعلى رأسها صفقة شراء متجر «هارودز» الشهير التي تابعتها وغطتها كل صحف وتلفزيونات العالم بمبلغ 1.5 بليون جنيه إسترليني. وليست الصفقة الوحيدة، فالأشقاء في قطر امتلكوا 24 في المئة من أسهم شركة «سونغ بيرد» التي تمتلك ثاني أكبر المراكز التجارية في منطقة «كناري وورف»، ويجري الحديث بصمت عن إعادة قطر من خلال هيئتها الاستثمارية طلب شراء أسواق «ساينزبيري» ثالث أكبر أسواق التجزئة بعد «تيسكو» و«آسدا» في بريطانيا، وهي الصفقة التي لم تتم على رغم محاولات الأشقاء في 2007. السنة الماضية اشترى الأشقاء القطريون، بحسب التقرير، مبنى السفارة الأميركية، وهو مبنى يضم 600 غرفة ويقع على مساحة 21 ألف متر مربع في منطقة «ماي فير» الشهيرة في وسط العاصمة البريطانية، وخلال الشهر الماضي اشترت شركة «بروة» وهي الذراع العقارية لصندوق قطر السيادي مشروع «بارك هاوس» في لندن من شركة «لندن لاند سيكيوريتيز» بمبلغ 250 مليون جنيه إسترليني. وتبلغ مساحة المشروع 330 ألف قدم مربع، ويضم وحدات مكتبية بمساحة 163 ألف قدم مربع ومحال بيع بالتجزئه بمساحة 88 ألف قدم مربع و 70 ألف قدم مربع تم تخصيصها للمنطقة السكنية. كما اشترت «ديار» القطرية موقع « تشيلسي باراكس» في غرب لندن بمبلغ يقارب البليون دولار. وتشير تقارير اقتصادية إلى أن أجهزة قطر الاستثمارية الأربعة «قطر للاستثمار»، «قطر القابضة»، «الديار» و«بروة» تسعى حالياً إلى رفع استثماراتها في العاصمة البريطانية من 3 بلايين إلى 5 بلايين جنيه إسترليني. ويضيف تقرير آخر أن «التركيز الحالي على لندن مرشح أن يتسع ليشمل صفقات في الأسواق الأخرى مثل أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية والقارة الآسيوية، بحيث لن تقتصر على الاستثمارات العقارية المباشرة بل تتعداها إلى الشركات الاستثمارية». ولا ينافس أشقاءنا في الدوحة سوى إخواننا في أبوظبي، الذين أعلنوا الشهر الماضي شراءهم مركز «اكسل» للمؤتمرات والمعارض في لندن في مقابل 626.4 مليون دولار، وهو المعرض الذي أقيمت فيه قمة العشرين في العام الماضي، واستأجرته الملحقية السعودية في لندن لحفلة تخرج الطلبة المبتعثين أواخر هذا الشهر، ولن تكفي المساحة للحديث عن بقية استثمارات أشقائنا في أبوظبي. وأختم بالتساؤل، أين هي استثماراتنا؟ أين صندوق الاستثمارات العامة؟ كيف يدار؟ ماذا ينتظر؟ أسئلة تتوالد عنها أسئلة. ولسنا بانتظار إجابة، ولكننا ننتظر قراراً من السلطة العليا لفتح باب المساءلة، وتعديل حال استثمارات الحكومة وصناديق الفوائض المالية التي لم تنافس الأشقاء على شراء «هارودز» ولا مركز «اكسل»، ولكنها زاحمت الصغار في سوق الأسهم على تملك سهم «الأسماك». إن «عوار» إدارة استثماراتنا واضح، وحان وقت المساءلة وفتح الملف، حتى لا يتقدم الآخرون ونتأخر أكثر. * اقتصادي سعودي مقيم في بريطانيا. www.rubbian.com