احتفى أهالي وادي الحسيني في جازان، مساء الثلثاء الماضي في ديوانية إبراهيم الذروي بالروائي يحيى امقاسم، بمناسبة صدور الطبعة الرابعة من روايته «ساق الغراب» في حضور نخبة من مثقفي المنطقة ومناطق مجاورة. ونجح أهالي الوادي في الجمع بين الثقافي والاجتماعي والقبلي والمديني، متجاوزين الآلية التقليدية في التعاطي مع الأعمال الإبداعية، ومتسامين على الترصد الضيق للمبدع لاقتناص ما يعده البعض تجاوزاً على المجتمع أو تطاولاً على قيمه وموروثاته. وفتحت الرواية بمضامينها الأسطورية والتاريخية أبواب النقاش حول الهوية والقبيلة، وتجلى دور المرأة في المجتمعات الريفية من خلال مشاركتها الفاعلة في الرعي والزراعة، وتمثلها لدورها القيادي ومكاتفتها الرجل في معظم يوميات الأسرة. من جانبه، لم يشأ يحيى امقاسم أن يتحول إلى محام عن الرواية، مفضّلاً أن يتعاطى كل قارئ مع العمل بحسب إمكاناته المعرفية ومرجعيته الثقافية، مؤكداً أنه اعتذر من دعوات عدة وجهت إليه للتحاور معه حول روايته، مؤثراً ترك العمل يدافع عن نفسه، لافتاً إلى أنه لا يمكنه الاعتذار عن تلبية دعوة شيخ شمل وأهالي الحسيني بحكم العلاقة الوطيدة بين العمل وبين أحفاد رموز الرواية الراحلين، منذ ما يزيد على خمسة عقود. وكشف امقاسم عن رسمه فضاء توزيع الرواية منذ كتابته الأولى، موضحاً أن طموحه تجاوز فكرة الوصول إلى القارئ المحلي ليصل إلى القارئ العربي والعالمي، مشيراً إلى أن استعاضته عن لقبه «سبعي» لم يكن بداع التفلت من الرقيب وسلطته، كون الرقيب يحفظ الأسماء والملامح في ذاكرة لا تشيخ. ولفت امقاسم إلى أن معايير الأبوة في تقويم الأعمال الإبداعية السعودية لا تزال محتفظة بتماسكها، لأن النقاد العرب لم يلتفتوا بجدية وموضوعية لما تزخر به ساحة المنتج الإبداعي المحلي، ما حجّم المساحة اللائقة بالمبدع السعودي، سوى ما فرضته أخيراً رواية عبده خال «ترمي بشرر» خصوصاً بعد فوزها بجائزة البوكر. ونفى امقاسم التقاطع مع خماسية منيف مدن الملح، كونها رصدت تحولات اقتصادية واجتماعية بعد ظهور النفط، مؤكداً أنه رصد في «ساق الغراب» تحولات المجتمع في ظل انحسار دور القبيلة وتنامي حضور الدولة، مضيفاً أن جوهر الرواية يتمثل في الإنسان بقدراته ومؤهلاته في التعايش مع الطبيعة. وأكد امقاسم أنه لم يتعمد الفحش اللفظي في عمله، باعتبار أن المفردات الجنسية جزء من حياة القروي اليومية، مشدداً على حقه في كتابة مشروعه الروائي «كوننا لا نملك ذاكرة أسلافنا، ولا يوجد وسائل مثلى للحفاظ على الموروث». من جانبه، تناول الشاعر عبدالرحمن موكلي في مداخلته ملمح النفس الشعري في رواية «ساق الغراب»، مرجعاً الفضل في حفظ الكثير من الموروث الشفهي إلى الشعر الشعبي في كل منطقة، فيما تمسك الشاعر إبراهيم طالع برأيه في أن الأصل في لغة العرب «أم» وليست «أل» التي لم تشيع إلا تحت مظلة النحاة المستعربين، فيما أثنى الشاعر محمد زايد الألمعي على العمل الروائي لامقاسم، باعتباره من أهم الأعمال الروائية التي حفرت أنثربولوجيا بخلاف أعمال المشري وأبو دهمان ومحمد علوان، التي يغلب عليها طابع ريبورتاج نوستالجي، موضحاً الفارق الكبير بين تعامل البدو وبين تعامل المجتمعات الزراعية مع الأنثى، في ظل سطوة الخوف عليها في البادية من السلب والنهب والغزو والحاجة الماسة إليها، للمشاركة والحضور الفاعل في المجتمعات الفلاحية. وشهدت الأمسية مداخلات ونقاشات حول فنية الرواية ومضامينها، أسهم في صياغتها وتقديمها الناقد جبريل سبعي.