كان أثر الأزمة الأوكرانية الحالية ضئيلاً جداً على الأسواق المالية العالمية وأسعار النفط، لكنها أثرت في بعض الأسواق العالمية حيث ارتفعت أسعار السلع الزراعية. فأوكرانيا مصدر 16 في المئة من صادرات الذرة العالمية وهي ثالث أكبر دولة مصدرة في العالم، كما أنها مصدر تسعة في المئة من الصادرات العالمية من القمح، ما يجعلها سادس أكبر مُصدر عالمياً. ونتيجة الخوف من تعطل الصادرات الأوكرانية، ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 20 في المئة منذ مطلع السنة، بينما ارتفعت أسعار القمح بنسبة 13.5 في المئة. وأشارت «شركة آسيا للاستثمار» في تقرير الى أن هذه التطورات تهم دول مجلس التعاون الخليجي لأن المنطقة من بين الأضعف في العالم لناحية الاعتماد على استيراد الأغذية. ف «بسبب الظروف المناخية القاسية، استوردت المنطقة تاريخياً ما يقارب إجمالي المواد الغذائية التي يحتاجها سكانها». ووفقا لتقرير أصدره «البنك الدولي» عن أسعار المواد الغذائية في العالم العربي، تستورد دول الخليج في المتوسط نحو 90 في المئة مما تستهلكه من المواد الغذائية. وتأتي قطر على رأس القائمة إذ تستورد 97 في المئة من حاجاتها الغذائية، والبحرين 92 في المئة والكويت 91 في المئة وكل من الإمارات وسلطنة عمان 89 في المئة بينما تعتبر السعودية الأكثر اكتفاءً ذاتياً حيث تنتج محلياً 20 في المئة من الأغذية التي تستهلكها. وتوقعت «آسيا للاستثمار» انخفاض مستوى الاكتفاء الذاتي في السنوات المقبلة، حيث وجد تقرير «المعهد الملكي للشؤون الدولية» (شاتام هاوس) حول الأمن الغذائي في دول الخليج، المنشور عام 2013، أن كلفة دعم إنتاج القمح في السعودية تجاوزت خمسة بلايين دولار سنوياً بين عامي 1984 و2000. وأدى فقر التربة، وندرة المياه والأحوال الجوية السيئة إلى رفع كلفة الإنتاج لتصبح أعلى بأربع مرات من الأسعار العالمية. وفي وقت معين من عام 1992، كانت السعودية سادس أكبر مصدّر للقمح في العالم، لكن بسبب استنزاف المزارعين موارد المياه، اضطرت السعودية إلى التخلي عن سياسة زيادة الإنتاج المحلي. ونتيجة لانخفاض الدعم الحكومي، بدأ الإنتاج ينخفض في عام 2008، ويُتوقع أن يتوقف تماماً بحلول عام 2016. وحاء في تقرير «آسيا للاستثمار» «السعودية ليست المثال الوحيد في المنطقة، فالكثير من الدول طبقت برامج مماثلة متوافقة مع خطط التصنيع والتنويع، بهدف تقليص تعرض اقتصاداتها للتغيرات في أسعار المواد الغذائية والنفط، وكانت الإمارات نشطة جداً في هذا المجال منذ السبعينات، بينما تأمل قطر في تقليص اعتمادها على الواردات الغذائية إلى 70 في المئة بحلول عام 2023 باستخدام تكنولوجيا بيئية جديدة لتحلية المياه وزراعة النباتات بدون تربة». البدائل واستبعد التقرير أن تقلل هذه الخطط من ضرورة الواردات الثابتة والضخمة من المواد الغذائية. ولكن، على رغم التطورات التكنولوجية الحديثة، لا يزال الماء مورداً نادراً، حيث تبلغ حصة الزراعة ما يقارب 90 في المئة من إجمالي استخدامات المياه في المنطقة. فعملية تطوير القطاع الزراعي المستدام مكلفة وليست ذات كفاءة، وبعد المثال السعودي، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي البحث عن بدائل لزيادة أمنها الغذائي. ويقترح تقرير «آسيا للاستثمار» عدداً من البدائل منها تخزين المواد الغذائية وامتلاك الموارد الزراعية خارج المنطقة، فبعد أزمة الغذاء عام 2008 شهدت دول الخليج زيادة هائلة في امتلاك الموارد الزراعية خارج المنطقة. وكانت أفريقيا، والسودان خصوصاً، محور الاهتمام بالنسبة للمستثمرين من المؤسسات والأفراد الخليجيين. وبحسب منظمة «غرين» إشترى المستثمرون الخليجيون أكثر من مليوني هكتار في السودان بين عامي 2006 و2012. وعلى رغم كونها مزوداً رئيساً للغذاء، تلقت آسيا القليل من الاهتمام من الخليج حتى الآن. فالصينوالهند هما مصدر 22 في المئة من الحبوب الخشنة، و30 في المئة من القمح و 46 في المئة من واردات الرز في دول مجلس التعاون وفق «منظمة الأغذية والزراعة» (فاو). ومع ذلك، لا تظهر الهند ولا الصين على قائمة أكبر 15 دولة حيث تستثمر دول الخليج في الموارد الزراعية. وخلافاً لبقية الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتمتع دول الخليج بفائض مالي يعادل 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط. ونظراً إلى الوضع المالي المريح لدول الخليج والظروف المحلية المعقدة، يمكن توقع مزيد من عمليات الشراء للشركات الزراعية في أنحاء العالم. واختار المستثمرون الخليجيون عادة الاستثمار في الأصول الأميركية والأوروبية، إلا أن أزمة عام 2008 أظهرت أن التنويع الجغرافي والقطاعي مهم جداً ويجب أن يكون أولوية في المنطقة. ووضعت الزيادات الأخيرة في أسعار السلع الغذائية الاعتماد الغذائي الإقليمي في دائرة الضوء مرة أخرى، ما سيعيد الاهتمام المؤسساتي في هذه الاستثمارات.