فجر السبت الماضي، وصلت طائرة ركاب الى الرياض، آتية من بيروت. وجد عمال المطار بين عجلاتها جثة شبه ممزقة، أشارت التحقيقات الى انها لشاب لبناني، اسمه فراس حسين حيدر. روايات وصول فراس الى هذا المصير تدمي القلب، تشبه قصص آلاف الشبان اللبنانيين الذين حاصرهم الفقر واليأس والحيرة، وسدت الخلافات السياسية الأبواب أمام طموحاتهم. قرر فراس حيدر اقتحام وضعه الخانق، وضمائر السياسيين اللبنانيين، وإن شئت ضمير البلد. ليل الجمعة، تسلل وسط العتمة من الجهة البحرية لمطار بيروت. اجتاز سياج المطار الشائك. عبر زاحفاً الى مدرج إقلاع الطائرات. كان الضجيج لا يحتمل. زاده الضجيج القاتل شجاعة وتصميماً. حدَّث نفسه قائلاً «سيتمزق جسدي بعد قليل، لكنه سيحدث دوياً أشد من أزيز هذه الطائرات، وسيغيّر البلد ويفتح باب الأمل»، ثم بدأ يستعد بروح عالية. التقط نفساً عميقاً، تذكّر أمه، وإخوته، وتذكر والده الذي دارت الأيام عليه، وفقد الأمل. حين شاهد طائرة تتهيأ للإقلاع انقضّ عليها، مثل صقر حر. رأى، وهو يعدو خلف الطائرة، صورة مشرقة لأهله وجيرانه ورفاقه المحبطين. تبسّم بفرح أحسه للمرة الأولى في حياته. دخل الى فتحة كبيرة تعلو عجلات الطائرة. شعر بأنه عريس يُزفّ الى حبيبة. أقلعت الطائرة. صاح فراس منتصراً... تمزق جسده ومات. وصل الخبر الى بيروت. استقال قائد أمن المطار، العميد وفيق شقير، بدافع أخلاقي. نشب جدل بين الأطراف اللبنانيين حول الاستقالة. تعامل قادة الأحزاب مع الحادث من زاوية سياسية. استعاد البلد أحداث 7 أيار (مايو)، يوم حاول بعضهم إقالة شقير من منصبه. فُتِح ملف أمن المطار مجدداً، عاد الحديث عن الكاميرات، والأسلاك والحواجز. دخل الإرهاب على الخط. اتهم الضحية بأنه يتناول حبوب هلوسة، وانه ربما كان مرسلاً من جهات لتنفيذ عمل إرهابي. استعاد لبنان حيوية الخلافات الطائفية والمذهبية على جثة فراس. لا أحد تحدث عن موت شاب فقير ومحبط. لم نرَ حزناً إنسانياً مجرداً من السياسة. لا أحد استغل الحادث البشع وتحدث عن الإحباط والفقر وضياع الأمل. مفزع تعامل الحكومة اللبنانية مع الكوارث الإنسانية، وتحويل أرواح الناس الى ملصقات سياسية. مَن يصدق ان لبنان صار بلا قلب؟