وزير الصناعة والثروة المعدنية يلتقي قادة الأكاديميات والمعاهد الصناعية والتعدينية    هل تخدعنا التفاصيل؟    التستر التجاري ونقص فرص شباب الوطن    رانج المحدودة تنظم إفطارًا رمضانيًا لشركاء النجاح بجازان    عبدالعزيز بن سعد يشيد في القفزات النوعية لأمانة حائل    دبلوماسية الحرمين في أرض النيلين    الخليج وصيف الدوري السعودي الممتاز لكرة الطاولة    سمو ولي العهد ووزير الخارجية الأمريكي يستعرضان أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين وفرص تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات    أمير القصيم يبارك انطلاقة أمسية " تراحم " الرمضانية لدعم اسر السجناء والمفرج عنهم وأسرهم    11 مارس.. وطن مرفوع الرأس    جمعية الدعوة بأجياد توزع أكثر من 4000 مصحف مترجم على ضيوف الرحمن خلال العشر الأولى من رمضان    التاريخ الشفهي منذ التأسيس.. ذاكرة الوطن المسموعة    أمير حائل يكرّم طلاب وطالبات تعليم حائل الفائزين بجائزة "منافس"    انطلاق منافسات بطولة التنمية الرمضانية السادسة بالبكيرية    لتكن خيرًا لأهلك كما أوصى نبي الرحمة    لقد عفوت عنهم    "البصيلي": يلقي درسًا علميًا في رحاب المسجد الحرام    النصر يدك شباك الاستقلال بثلاثية.. ويتأهل لربع نهائي النخبة الآسيوية    %90 مؤشر الرضا عن أمانات المناطق    أبو سراح يطلق مجلس التسامح بظهران الجنوب    تعليم الرياض يحتفي بيوم العَلم    أمسية شعرية في ثلوثية الراحل محمد الحميد    مبادرة مواطن تحيي بيش البلد    محافظ الطائف يُشارك أبناء شهداء الواجب حفل الإفطار    محافظ الطائف يُشارك أبناء شهداء الواجب حفل الإفطار    250 مظلة متحركة بساحات المسجد النبوي    المكملات الغذائية تصطدم بالمخاطر الصحية    8 طرق لاستغلال شهر الصوم في تغيير النمط الغذائي    وزير الخارجية يبحث مستجدات غزة مع الأمم المتحدة    عوامل مؤثرة تقود الجهود السعودية في حل الحرب الروسية الأوكرانية    السعودية تحتفي غدًا بيوم العلم اعتزازًا بقيمه الوطنية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم حملة "صُم بصحة"    أمين تبوك يستعرض مع رجال وسيدات الأعمال بالمنطقة أبرز الفرص الاستثمارية    الكشافة ونماذج العطاء في شهر الخير بالحرم المكي    ملتقى القوى التأهيلي يتوج أبطاله    الرئاسة السورية: اتفاق باندماج قسد ضمن مؤسسات الدولة    الأردن يدين قطع سلطات الإحتلال الكهرباء عن قطاع غزة    الراية الخضراء.. انتماء ونجاح وثقافة وطن    محافظ الخرج يشارك أبناء "إنسان" مأدبة الإفطار    الداخلية تصدر دليلًا إرشاديًا لأمن المعتمرين والمصلين في رمضان    الإنتاج الصناعي يسجل نموًا بنسبة 1.3% في يناير 2025    «مسام» ينزع الأسبوع الماضي 1,058 لغماً وذخيرة غير منفجرة في اليمن    نائب أمير المنطقة الشرقية: العلم السعودي رمز للوحدة والاعتزاز بالهوية الوطنية    «سلمان للإغاثة» يدشن مشروع سلة "إطعام" الرمضاني ومشروع "كنف" في لبنان    2.600 كرتون تمر أرسلتها المملكة لأهالي مديرية سيئون بحضرموت    في ختام الجولة 25 من " يلو".. النجمة والعدالة في صراع شرس على الوصافة    42 شهيدًا ومصابا في غزة خلال 24 ساعة    تجديد مسجد «فيضة أثقب» على الطراز المعماري التراثي    مواقف ذوي الإعاقة    أنهى ارتباطه بها.. فقتلته واختفت    مدير الأمن العام يرأس اجتماع اللجنة الأمنية بالحج    الأمير سعود بن نهار يستقبل قائد منطقة الطائف العسكرية    فيجا يربك حسابات الأهلي    الاتحاد يجهز ميتاي للرياض    أبها للولادة والأطفال يُفعّل حملة "التطعيم ضد شلل الأطفال" و "البسمة دواء"    مستشفى خميس مشيط العام يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    نعتز بالمرأة القائدة المرأة التي تصنع الفرق    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لجمعية الأمير محمد بن ناصر للإسكان التنموي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل الأشوريين والصراع في سهل نينوى: صراع الأكثريات يطيح أحلام العودة
نشر في الحياة يوم 24 - 06 - 2016

في الماضي، كان توفيق سكوت فلاّحاً ثريّاً في بلدة قراقوش، أو بغديدة، في وادي نينوى الخصب الواقع شمال العراق، جنوب شرقي الموصل. أمّا اليوم، فهو لاجئ في مخيّم «أشتي 2» في ضواحي أربيل، ما يجعله لاجئاً في موطنه. وبعد أن كان معلّماً في المدارس الابتدائيّة، لا سيّما في القرى العربيّة في منطقة الحلّة، عاد إلى بلدة أجداده وأصبح فلاّحاً. وبعد ثلاثة عقود من العمل الدؤوب، صارت لديه مزرعة مزدهرة، ربّى فيها أكثر من مئة بقرة وأنتج الحبوب وحتّى انه افتتح فندقاً. وبحوزته صور عن مزرعته، ووثائق رسميّة تثبت أنّه يملك مئة بقرة.
وبعد أن كان توفيق سكوت رجلاً بارعاً يستثمر أرضه، تغيّر الواقع بين ليلة وضحاها، إذ اقتحم مقاتلو «داعش» المنطقة في 23 حزيران (يونيو) 2014، بينما كان يعمل في مزرعته. وبعد سقوط الموصل بين أياديهم، انسحبت قوّات البشمركة فجأة من المنطقة. وقال سكوت، «في البدء عاملونا جيّداً، وأحضروا لنا طعاماً وماءً». ولكن لاحقاً، وفي 17 تموز (يوليو)، عادوا بفتوى تسمح بمصادرة أملاك المسيحيّين. وأخبرني قائلاً: «أرغموا ابني على الانبطاح أرضاً، ووجّهوا مسدّساً إلى رأسي. ونهبوا مزرعتي بكاملها». وسألتُه، هل كانوا غرباء؟ فأجاب قائلاً، «لم أكن أعرف أميرهم العراقي الجنسيّة. لكنّني عرفتُ جميع الآخرين، بما يشمل الرجل الذي صوّب مسدّساً إليّ. وقد سبق أن تردّد إلى منزلي وشاركنا الخبز والملح».
سيعطي سرد تاريخ العراق، أو تاريخ الشرق الأوسط الحديث، من وجهة نظر أشوريّة، رواية مختلفة تماماً عن تلك المنشورة في كتب التاريخ، وقد يساعدنا على فهم العنف الطائفي الذي يشعل المنطقة اليوم. وتتمثّل أبرز نقاط الرواية الأشورية بتاريخ من التفرقة المنظّمة التي تخطّت أنماط الحكم ورسخت في العادات الاجتماعيّة، وتبلورت على امتداد حقبات من الترحيل والمجازر. وأخبرني أشور سرغو عسكرية، رئيس جمعية إغاثة الأشوريين في العراق «إنّ ما حصل منذ مئة عام لا يزال يؤثّر فينا». وتماماً كما في الإبادة الجماعيّة الأرمنيّة المعروفة أكثر، تحوّل الأشوريّون إلى ضحايا ترحيل ومجازر في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. وخلال الحرب العالمية الأولى لاحقاً، تحوّل الأشوريون أيضاً إلى ضحايا إبادة جماعيّة معروفة باسم «سيفو»، قُتل في سياقها أشوريّ من كلّ اثنين».
بقي اضطهاد الأشوريّين متواصلاً في العراق الحديث: ففي العام 1993، ذبحت القوات العراقيّة الآلاف منهم في سميل. وأخبرني عسكرية، «ساد الاعتقاد بأن صدّام حسين أحسن معاملة المسيحيّين. لكنّه كان الأسوأ! حتّى أننا لم نملك حقّ القول إننا أشوريون، بل أُرغِمنا على القول إننا عرب». ويخبر أيضاً عن التفرقة المتواصلة في أبسط الأمور ضد الأشوريين. «في المدرسة الثانويّة، سألني الأستاذ مرّة: لماذا تحمل هذا الاسم؟ هل هو اسم يهودي؟ لماذا لا تحمل اسماً عربياً؟» انضم الأشوريون إلى الثورة الكردية في العام 1961 ضد السلطات المركزية، وعانوا اضطهاداً متواصلاً. وقد أخلَت الحكومة البعثية عدداً كبيراً من القرى الأشورية، إما بسبب موقعها الجبلي أو بسبب قربها من الحدود التركية أو السورية، ونقلت سكّانها إلى السهول، كي تسيطر الدولة عليهم بسهولة أكبر. وعندما أطلقت بغداد حملات الأنفال وشملت إبادة جماعيّة، تحوّل الأشوريون إلى ضحايا مجدداً، شأنهم شأن الأكراد وغيرهم من الأقليات الأخرى. ومع ذلك، وعلى امتداد عقود من الاضطهاد، لم يقرّ أحد بمصاب الأشوريين في عراق ما بعد البعثيين.
التمييز ضدّ الأشوريين تحول إلى عنف مدمّر بعد الاجتياح الأميركي للعراق في العام 2003. وهنا، تظهر روايتان، تفيد الأولى منهما بأن السكان العرب المحلّيين شبّهوا مسيحيّي العراق بالجيوش المحتلة. وفي هذا الصدد، أخبرني أشور عسكرية قائلاً: «ذات يوم بعد الاجتياح الأميركي، قالت لي سيّدة تعيش في الجوار: «عليك أن تسعد الآن، لأن المحتلين ينطقون لغتك». لقد زعزع الاجتياح الأميركي التراتبية السياسية في العراق. واعتبر الغاضبون من التغيير أنّ مسيحيّي العراق يشكّلون هدفاً سهلاً عند ارتكابهم أعمال العنف. لكن هناك أيضاً رواية ثانية، حول وجود صراع بين القوات الكردّية والسلطات المركزية العراقية والمجموعات السنية على «أراض متنازع عليها»، تعيش فيها شعوب مختلطة، غالباً ما تشمل أقليات من الأشوريّين واليزيديين والشبك.
من حق الناس أن يسألوا، لماذا لم يقرّر الأميركيون تقسيم هذه الأراضي بدلاً من إنشاء فراغ؟ لكن في حال فعلوا، كان الجميع سيتّهمهم بالتقسيم غير المنصف، وهو بالتمام ما حصل مع نقّاد اتّفاقيّة «سايكس - بيكو»، إذ اعتبروها مسؤولة عن كل الكوارث التي يشهدها الشرق الأوسط الحديث. لكن هذه المرة، يسود عدم التوافق بين أطراف محليين، وليس أجانب، فيواصلون الاقتتال في ما بينهم - بمساعدة كريمة من الخارج. لقد شاءت العادة، عند الحديث عن حروب الشرق الأوسط، أن نركّز على المحتل الأجنبي والإمبرياليّة والاستعمار، وألاّ نتحدّث عن الظلم البنيوي في ما بيننا إلاّ قليلاً.
لفت إدريس ميرزا من الحركة الديموقراطية الأشورية إلى أن العلاقات بين مختلف المجتمعات في سهل نينوى كانت طبيعية، إلى أن اجتاح الأميركيون العراق في العام 2003، حيث اندلع صراع محتدم بين القوّات الكردية من جهة، ومختلف الميليشيات السنّية من جهة أخرى، للسيطرة على «المناطق المتنازع عليها». وأدّى انعدام الوضوح في تقسيم المناطق إلى غياب للسلطة، أو لأي استثمار عام في مجالي البنية التحتية والخدمات، فازداد التوتّر الاجتماعي في هذه المناطق، ونشأ صراع كبير على السلطة بين الحكومة في بغداد، وحكومة إقليم كردستان، ومختلف القوى السنّية في الموصل.
في الموصل، كان المسيحيون ضحايا العنف حتى قبل ظهور «داعش»، مع عمليات الخطف والاغتيالات وتفجيرات الكنائس التي بدأت في الموصل منذ العام 2006. والمعروف أنّه خلال فترة الاحتلال الأميركي، عاش ما بين 50 و60 ألف مسيحي في الموصل. لكن بعد استيلاء «داعش» على المدينة، لم يبق منهم إلاّ 15 ألفاً كحدّ أقصى، علماً أنّ الخبر الذي نال أكبر قدر من التغطية الإعلامية كان عن خطف المطران الكلداني بولس فرج رحو في الموصل واغتياله في العام 2008. والواقع أنّ الأشورييّن يعتبرون أنفسهم ضحايا صراع لم يشاركوا فيه أصلاً، تناحرت في سياقه الميليشيات الإسلامية السنية ضد قوّات البشمركة الكرديّة.
حتّى الساعة، يتعذّر تفسير السرعة التي استولى فيها تنظيم «داعش» على الموصل في حزيران (يونيو) 2014، بمساعدة قوة هجوميّة من نحو ألف مقاتل، مقابل جيش عراقي نشر ما لا يقلّ عن 30 ألف جندي في أرجاء المدينة. وبطريقة مماثلة، لا تفسير لانسحاب البشمركة من دون أيّ مقاومة من بلدات سهل نينوى وقرى شرقي الموصل، ما تسبّب بنشوء موجة من اللاجئين، تراوحت أعدادهم بين 150 و200 ألف، معظمهم من الأشوريين واليزيديين والشبك. ووفق ميرزا، «يفيد المسؤولون الأكراد بأنهم لم يملكوا ما يكفي من الأسلحة لمحاربة «داعش»، ما حصّهم على الانسحاب. أمّا الواقع، فهو أنهم استغلّوا مأساتنا ليحصلوا على تعاطف ودعم دوليّين». وخلال مرحلة الاجتياح الأميركي للعراق في العام 2003، بلغ عدد الأشوريين 1.5 مليون. أما اليوم، فتتراوح أعدادهم بين 300 و350 ألفاً. وفي حال لم يتغيّر المنحى السائد، سنشهد على انقراض مجتمع كامل، بل حتّى حضارة كاملة، في بلاد ما بين النهرين.
في خضمّ الصراع على السلطة بين البيشمركة الأكراد والحكومة العراقية و»داعش»، تشعر الأقليات، كالأشوريين وغيرهم، بأنّها عاجزة، كونها فقدت أيّ شعور بالثقة بعد خروج الجيش العراقي في شكل غير مفهوم من الموصل، وانسحاب البشمركة من المناطق المتنازع عليها. ويرى ميرزا أنّه في حال تمّ تقسيم العراق مستقبلاً إلى كيانات سنّية - شيعية - كرديّة، فنودّ أن يشكّل سهل نينوى، مع سنجار وتل عفر، كياناً هو يكون خاضعاً للحماية الدولية.
تعود أصول نبيل سليم إلى حي المهندسين في الموصل. بيد أنّه يقيم اليوم مع 41 عائلة في مخيّم شيوز، على مسافة 40 دقيقة من دهوك. وعندما سألته إن كان يريد العودة إلى دياره في الموصل، في حال حرّر الجيش العراقي والبشمركة المدينة من داعش، فكّر للحظة وقال: «لا أعرف».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.