بحزن ولوعة متبوعة بصيحات الغضب والاسى شيع الاف من المسيحيين العراقيين آخر ضحاياهم من قتلى العنف في العراق، وهو تطور اعاد الى واجهة الاحداث ظاهرة استهداف هذه الاقلية، كلغز محير في خضم تعقيدات العنف الطائفي في العراق من جهة والخلاف العربي الكردي من جهة اخرى. فيوم الثلثاء، شارك الاف من المسيحين في مراسم تشييع الطالبة الجامعية ذات التسعة عشر ربيعا ساندي شبيب بعد ان لفظت انفاسها الاخيرة في وقت مبكر من نفس اليوم وبعد تسعة ايام من اصابة تعرضت لها جراء انفجار مزدوج استهدف قافلة حافلات كانت تقل العشرات من الطلبة الجامعيين بين مدينتي الحمدانية، حيث تقطن شبيب، وجامعة الموصل التي تقع وسط مدينة الموصل الشمالية. وقالت الشرطة آنذاك ان الحادثة اسفرت عن مقتل شخص واحد واصابة ما يقارب مئة اخرين معظمهم من الطلبة الجامعيين المسيحيين. وخلال الفترة الماضية فان عددا من الذين تعرضوا للاصابة توفوا متأثرين بجروحهم وكان اخرهم الطالبة شبيب. وقالت مها طعمة احدى زميلات شبيب بعد دقائق من دفن جثمانها، في كنيسة بهنام وسارة، بناحية قرقوش التابعة لمدينة الحمدانية "لم نكن نحمل اسلحة لاننا لم نكن متوجهين إلى ساحة معركة... كنا متوجهين للجامعة لطلب العلم ... ومع هذا تعرضنا لحادث." واضافت طعمة وهي تحاول اخفاء دموعها " انا ادعو بالرحمة لها (شبيب) ولاهلها السلوان." وتقع ناحية قرقوش في مدينة الحمدانية، بسهل نينوى على مسافة 40 كيلومترا شرق الموصل (390 كيلومترا شمال بغداد). وما زالت محافظة الموصل التي تسكنها غالبية سنية تشهد وبشكل يومي العديد من العمليات المسلحة حيث يذهب العديد من المدنيين ضحية لهذه العمليات. ورغم عدم توفر احصائيات دقيقة، تشير تقديرات الى ان عدد المسيحيين في العراق قد يصل الى 750 الف شخص في بلد يبلغ عدد سكانه نحو ثلاثين مليون نسمة، غالبيتهم من المسلمين. ورغماً عنهم، وجد المسيحيون انفسهم وسط صراع طائفي تسبب به الغزو الاميركي للعراق في 2003، وتسبب بمقتل مئات الاف من العراقيين، إضافة الى خلافات عقيمة نشبت في الشمال بين العرب والاكراد حول مناطق اصطلح على تسميتها بالمناطق المتنازع عليها. ومنذ الغزو الاميركي للعراق اضطر مئات الاف من المسيحيين الى ترك العراق والهجرة خوفا من البطش بهم. واعادت حادثة استهداف الطلبة المسيحيين وحوادث اخرى مماثلة وقعت قبل فترة قصيرة الى الاذهان ظاهرة استهداف المسيحيين في العراق والاسباب التي تقف وراءها. وكان تقرير صادر عن الاممالمتحدة نهاية فبراير شباط اظهر ان نحو 683 عائلة مسيحية او ما يعادل 4100 شخص اضطروا الى ترك مناطق سكناهم في محافظة الموصل بين 20 و 27 فبراير شباط بعد سلسلة هجمات ادت الى مقتل ما لايقل عن ثمانية اشخاص، كان معظمهم من المسيحيين اغتيلوا في الشوارع او بالقرب من مناطق سكناهم او في اماكن عملهم. ودفع الاعلان عن التقرير انذاك البابا بنديكت الى اطلاق دعوة من الفاتيكان الى "السلطات المدنية" بالسعي الى حماية المسيحيين في العراق باعتبارهم "الاقلية الدينية الاكثر ضعفا في العراق". وتقطن ناحية قرقوش شانها شان معظم القرى والنواحي الواقعة في منطقة سهل نينوى اغلبية مسيحية. ويعتبر المسيحيون انفسهم الابناء الاصليين لهذه المنطقة باعتبارهم امتداد للحضارة الاشورية التي نشأت في هذه البقعة التاريخية عدة قرون قبل الميلاد وفي ارض وادي الرافدين وهو الاسم التاريخي للعراق. ومازال العديد من قرارهم التي تضم عددا كبيرا من الكنائس تحتفظ حتى الوقت الحاضر بالعديد من شواهد التاريخ والاثار التي تنتمي الى الحضارة الاشورية. وقال لويس مرقوش ايوب عضو المجلس البلدي لمدينة الحمدانية "المسيحيون هو المكون الاصيل لهذا المنطقة وجذورهم تمتد لخمسة الاف سنة قبل الميلاد." واضاف "المسيحيون لم يكونوا في اي يوم من الايام جزءا من الصراع على السلطة الذي يجري الان في العراق... الا ان مايجري الان في سهل نينوى (الموصل) ضد المسيحيين هو جزء من اجندات داخلية مرتبطة باجندات سياسية خارجية واقليمية." ويقع سهل نينوى ضمن المناطق التي اصطلح على تسميتها مؤخرا بالمناطق المتنازع عليها. وهو مططلح برز الى واجهة الاحداث بعد العام 2003 اثر قيام سلطات الاقليم الكردي بالاعلان عن نيتها ضم هذه المناطق الى اقليمها الكردي بدعوى انها مناطق تضم اغلبية كردية وهو ما جوبه بالرفض من قبل الحكومة المركزية والمكونات العراقية العربية سواء السنية او الشيعية. ويعتبر مراقبون ان مايجري ضد المسيحيين في العراق قد يكون جزءا من لعبة هدفها الضغط على هذه الاقلية لضمان ولائهم او لاستخدامهم كورقة سياسية للابتزاز لتحقيق غايات معينة في خضم استمرار الصراع العربي الكردي على المناطق المتنازع عليها. وقال وليام وردة رئيس منظمة حمورابي وهي منظمة غير حكومية تعني بشؤون المسيحيين "بسبب ان غالبية المسيحيين يسكنون ضمن المناطق المتنازع عليها فان هذا جعلهم تحت ضغط اجندات جهات داخلية وخاصة اجندات كردية وعربية سنية." واضاف "هناك خطة تهدف الى ابعاد المسيحيين من هذه المناطق من خلال تسليط الضغط عليهم خاصة وان لا احد يدافع عن المسيحيين اضافة الى انهم ليست لديهم مليشيا تدافع عنهم." ويوم الثلاثاء نظم العشرات من الطلبة الجامعيين المسيحيين اعتصاما امام مجلس قائمقامية الحمدانية طالبوا فيها السلطات المحلية والمركزية في بغداد بالعمل على ايجاد مكان امن لهم يمكنهم من اداء امتحاناتهم النهائية. ___________ * سيف فؤاد توفيق وشارك في التغطية وليد ابراهيم