جذبت بطولة كأس العالم التي انتهت أمس فضائيات العالم قاطبة نحو الاجتهاد، واختراع أساليب لتغطية هذا الحدث العالمي. ولم يقتصر الأمر على الفضائيات المتخصصة بالرياضة، وما أكثرها، بل إن الفضائيات بمختلف اهتماماتها وتوجهاتها وطبيعتها سعت إلى رصد تفاصيل المونديال، حتى غلب التكرار على نوعية التغطية، وبدت الصورة متشابهة أو متقاربة على أكثر من شاشة. بيد أن محطات قليلة نقلت هذا الكرنفال الكروي من زوايا ليست تقليدية ومملة، وإنما انطوت على جاذبية خاصة، ولعل برنامج «أصداء العالم» اليومي الذي تبثه محطة «إم بي سي»، يعد مثالا صالحاً لهذا التميز. مقدم البرنامج مصطفى الآغا الذي بدا مسؤولا عن كل كبيرة وصغيرة في برنامجه، لدرجة راح يوجه، أثناء بث البرنامج، تعليمات وتوجيهات للمخرج والمصورين ومهندسي الصوت كان مضطراً إلى تكرار العناوين العريضة لأبرز أحداث المونديال. لكنه لم يكتفِ بذلك، فبرنامجه بدا أكثر رحابة من المساحة المستطيلة الخضراء، الضيقة على أي حال. من هنا فإن كاميرا البرنامج كانت تتنقل بين مختلف مدن جنوب أفريقيا من جوهانسبورغ إلى دربان إلى كيب تاون... وسواها من المدن التي شهدت المباريات، مع جيش من المراسلين موزعين في عواصم البلدان المشاركة، وذلك بغرض رصد رد الفعل هنا وهناك. هذه التغطية الميدانية الواسعة استطاعت أن تنأى بالبرنامج عن «معضلة التكرار»، وترسم صورة مغايرة للمونديال، تلك الصورة المتمثلة في مشاعر البشر وانفعالاتهم وأفراحهم أو خيباتهم وهم يتابعون منتخبهم في أرفع بطولة كروية. علاوة على ذلك، فإن استوديو البرنامج، بدوره، بدا منشغلا، ليس فقط بآراء خبراء الرياضة وممارسيها ومحلليها، بل استضاف شخصيات فنية وغنائية تتمتع بشعبية، وهذه راحت تكشف أوراقها الرياضية، وتسترسل في حديث بعيد من ميدان تجربتهم الفنية، ما منح البرنامج بعداً محبباً، مملوءاً بالطرافة والخفة. هذه الطرافة وتلك الخفة ظهرتا، كذلك، في طريقة تقديم الآغا للبرنامج، إذ يشعر المرء بأن مقدم البرنامج ليس في استوديو مدجج بأجهزة الإضاءة والصوت والكاميرات التي تحد من عفوية الكلام، بل بدا وكأنه يثرثر في صالون منزل، فلا يحجب شيئاً حتى ان كان نقداً لاذعاً له شخصياً، كما حصل، مثلا، لدى خسارة البرازيل وخروجها من المونديال، وتلقيه لسيل من الرسائل الشامتة باعتباره من المشجعين لهذا الفريق. وإذا كانت الفقرات الترويجية للبرنامج تظهر الآغا ك «مايسترو» يضبط الإيقاع، ويتباهى بين فتيات يرقصن السامبا أو التانغو... فإن برنامجه جاء تجسيداً لذلك، إذ تمكن من ضبط إيقاع الحلقات الممتدة من جنوب أفريقيا إلى الخليج وشرق آسيا وشمال إفريقيا، فأوروبا وصولا إلى الأميركيتين، من دون أن يقلص البرنامج إلى مجرد كرة صغيرة تتدحرج بين أقدام اللاعبين، بل رسم صورة الكرة الأرضية الشاسعة، وأصغى إلى «أصداء العالم» على نحو جاء معه البرنامج أميناً لاسمه!