لا حديث يعلو على حديث البكالوريا في الجزائر وفضيحة تسريب أسئلة الامتحانات، في حين وجدت وزيرة التربية المثيرة للجدل نورية بن غبريط نفسها ومعها الحكومة في عين الإعصار. فبعد سنة دراسية ساخنة وحرب تكسير عظام بينها وبين نقابات مستقلة للتربية، وعدد من الإضرابات أحدثت خللاً كبيراً في تطبيق المقررات الدراسية، جاء ختام العام الدراسي حاملاً فضيحة تحولت إلى «قضية أمن دولة» كما وصفها الوزير الأول عبد المالك سلال. وأجبرت فضيحة تسريب المواضيع والأسئلة، الحكومة على اتخاذ قرار إعادة جزئية للامتحانات، ليجد أكثر من 311 طالباً أنفسهم معنيين بالامتحانات الجزئية التي انطلقت الاحد، وتشمل دورة الإعادة أربع شعب باستثناء شعبتي الآداب واللغات. وتحولت تسريبات مواضيع امتحان البكالوريا، على رغم كل الإجراءات الصارمة التي اتخذت من توقيف خدمة الجيل الثالث للنقال خلال الامتحانات وحجب مواقع التواصل الاجتماعي، إلى قضية سياسية ومسألة تنال من امن دولة وسلطتها. فتدخل على إثرها الجيش وجهاز المخابرات الذي أوكلت له مهمة طباعة الأسئلة ونقلها إلى مراكز الامتحانات بعد إعفاء ديوان الامتحانات والمسابقات المعني عادة بتنظيم هذه الامتحانات وادارتها. ومكنت التحقيقات التي قادتها مصالح الدرك الجزائرية إلى توقيف العشرات من الإطارات والأساتذة ورؤساء مراكز الامتحانات ومستخدمين بديوان المسابقات، في حوالى ثلاثين ولاية من كل مناطق الجمهورية. وتتواصل التحقيقات لمعرفة منفذي التسريبات والوسطاء في الفضيحة، التي كان موقع «فايسبوك» مسرحاً لها، حيث كان الطلاب المرشحون يبحثون عن الأسئلة ويجدونها مع الحلول في صفحات معينة ليلة الامتحانات. الفضيحة قال في شأنها رئيس الوزراء عبد المالك سلال إنها مساس بالأمن القومي للشعب الجزائري، وشدد على أن الحكومة لن «تتسامح مع المتورطين في فضيحة تسريبات الأسئلة والعدالة ستقول كلمتها». ووجه رئيس الديوان برئاسة الجمهورية احمد اويحي أصابع الاتهام إلى الإسلاميين بالوقوف وراء ما حدث. وكان حوالى مئة وخمسين نائباً في البرلمان غالبيتهم منتمون إلى التيار الإسلامي قد وقعوا عريضة تطالب بإقالة الوزيرة بعد تفجر الفضيحة، وكانت أوساط محافظة قد تحركت ضد الإصلاحات التي اعتمدتها المسؤولة عن القطاع واتهموها بالموالاة للفرنكفونية، وهي تهم لطالما نفتها بن غبريط. اتهمات أويحيي للإسلاميين بتدبير المؤامرة، حرك الأوساط الإسلامية، حيث نددت قيادات حزبية من التيار الإسلامي بتصريحات أويحي، وتحدته أن يقدم دليلاً يدينها بالضلوع في الفضيحة، كما جددت مطلبها بإقالة الوزيرة. الجدال القائم تباينت حوله ردود فعل المتابعين للشأن السياسي في البلد فمنهم من يرى أن الوزيرة حقاً ضحية مؤامرة، بسبب عدم تحزبها وقيامها بإصلاحات عميقة، وبعضهم الآخر ينفي النظرية، ويعتبر أن الذي جرى ما هو إلا حلقة من حلقات فشل الحكومة والمسؤولية تتحملها كل السلطات في البلاد ويرى المحلل السياسي والكاتب الصحافي بوعلام غمراسة في حديث مع «الحياة» ان بعد الذي حدث» لم يعد لامتحان البكالوريا أية صدقية» مطالباً بإعادة الامتحان برمته وليس فقط جزئياً، مشيراً إلى ان «الحكومة تتهرب من مسؤوليتها في هذه الفضيحة باتهام أطراف بعرقلة الوزيرة بن غبريط وهذا الكلام لا يستقيم». واستشهد غمراسة بالذي جرى مع وزير التربية الأسبق علي بن محمد الذي أقيل من منصبه سنة 1992، عندما سرّب موضوع واحد من مواضيع الامتحان، ولم تبد الحكومة تضامناً معه» على عكس الوزيرة الحالية التي لقيت دعماً وتضامناً كبيرين من طرف السلطات. واستبعد بوعلام غمراسة نظرية المؤامرة، معللاً ذلك بأن الوزيرة نصبت رجالها في مناصب المسؤولية ولا مجال لمن يتآمر عليها. تحليلات بوعلام غمراسة، ناقضها مدير نشر جريدة «وقت الجزائر» الناطقة بالفرنسية حسان موالي في اتصال مع «الحياة» الذي أكد أن الوزيرة « تتعرض إلى مؤامرة مفضوحة من طرف العروبيين والبعثيين لأنها وزيرة غير منتمية إلى اي حزب، ولأنها حقاً تقوم بإصلاحات عميقة ومهمة في قطاع التربية لم تعجبهم»، مشدداً على انه يؤازرها في خطواتها على طول الخط. والتقت قراءات كل من بوعلام غمراسة وحسان موالي عند نقطة أن درجة الغش والتسريبات دفعت الى الاستنجاد بالجيش من اجل تأمين الامتحانات من ظاهرة التسريب والغش ، وهو ما يسيء الى سمعة البلاد ويكشف مدى محدودية وسائل مواجهة أساليب الاختراقات الالكترونية. تقاذف المسؤوليات بين الحكومة والمعارضة في الجزائر ومن يتحمل المسؤولية، يغطي على أسئلة وإشكاليات كبيرة سواء بخصوص مدى صدقية الشهادة، ويحول التلاميذ إلى وسيلة لتصفية الحسابات بين الوزارة والنقابات والمعارضة. تلاميذ عانوا نفسياً خلال السنة الدراسية بسبب تعدد الإضرابات وتواليها، في ظروف ليست في مصلحة تحصيل علمي جيد، ما سيؤثر في مستوى المسار العلمي لإطارات الغد في الجزائر.