وصول الطائرة السعودية الإغاثية الثانية عشرة لمساعدة الشعب اللبناني    ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 7.4 % خلال أغسطس 2024    بحضور وزير الطاقة.. المختبر الخليجي يدشن مختبر الخدمات الفنية ويوقع اتفاقية لتوطين خدمات أصول الطاقة    فعالية "ليالي الفيلم السعودي" في محطتها بالصين… انطلاقة نحو تعاون سينمائي أكبر بين الصين والسعودية    تقرير أممي : 70 % من قتلى النساء والأطفال بالحروب كانوا في غزة    الأرصاد: أمطار على عدد من المناطق    نيابةً عن خادم الحرمين.. وزير الخارجية يصل قازان لترؤس وفد السعودية المشارك في اجتماع بريكس    التعاون يتغلّب على التين أسير التركماني بثنائية في دوري أبطال آسيا 2    هل انخفاض الشكاوى مؤشر إيجابي ؟!    وزير الدفاع يجتمع مع عدد من رؤساء كبرى الشركات الصناعية الإيطالية    نائب أمير الرياض يعزي أسرتي بن شوية وبن حضرم    «ديك فرنسي» يثير نزاعاً قضائياً    المطارات للسفر.. لا للمزاح    السعودية وتحديات المنطقة    هوكشتاين في لبنان.. جعجعة بلاطحن    «الحسكي».. واحات طبيعية ومكونات سياحية مميزة    سموه عقد اجتماعًا مع رؤساء كبرى الشركات الصناعية.. وزير الدفاع ونظيره الإيطالي يبحثان تطوير التعاون الدفاعي    في الجولة الثامنة من دوري روشن للمحترفين.. الهلال يواجه التعاون.. والاتحاد ضيفا على الرياض    هكذا يكون الرد يا سالم    بناء الشخصية.. استثمار وطني    الدرعان مديراً بمجمع إرادة والصحة النفسية    أفراح حلواني وراشد بقران الدكتور عاصم    صيني ينسى زوجته الحامل في الشارع    عبدالعزيز بن ماجد يواسي آل مقبول في فقيدهم    نائب مدير عام الجوازات يتفقد سير العمل في جوازات منطقة القصيم    ضمن الأنشطة المدرسية.. ابتدائية زيد بن الخطاب تُتوج بدوري كرة القدم    إلى وزارة الثقافة مع التحية!    «هاكثون الإبل».. تعزيز الموروث الثقافي    بمبادرة من المملكة.. انطلاق الأسبوع العربي في "اليونسكو" نوفمبر المقبل    امرأة يمَّمت وجهها شطر الإبداع.. عن ابنة «بيت الحكمة» أكتب    المُعمِّر السعودي.. حكاية انتهت بقوتها ورشاقتها    فلتان ملعون    حدثوني عن مقبرة الأحلام    "التخصصي" يعزز مكانة المملكة في السياحة العلاجية    بصمة الرؤية تظلل الملتقى الصحي!    تركيا: أربعة قتلى و14 جريحاً في هجوم على شركة صناعات الفضاء    ثبات المواقف    احتفال الثبيتي بزواج راكان    الحليسي يحتفي بدكتوراه ريم    أمير جازان يدشّن مهرجان الفل والنباتات العطرية الثاني بمحافظة أبو عريش    201 ألف وظيفة في اللوجيستيات بحلول 2030    18 مليونا تذاكر السينما المباعة    6 مناطق تسجل ارتفاعا في العقار يفوق الرياض    مانشستر سيتي يسحق سبارتا براغ بخماسية في «أبطال أوروبا»    ليفربول يهزم لايبزج في عقر داره ويواصل انطلاقته المثالية بدوري أبطال أوروبا    للمرة الخامسة.. نجم القادسية آل مخلص بطل العالم للجوجيتسو    مرضى اضطراب الزورانية غير مسؤولين جنائيا    4 تقنيات بمؤتمر تطورات طب الأطفال    «هاتريك» رافينيا يقود برشلونة لكسر عقدة بايرن ميونخ برباعية    في ظلال موسى.. الإنسان القلِق الخائف    نائب أمير الرياض يعزي ابن شوية وابن حضرم    مساعد وزير الداخلية لشؤون التقنية يزور جناح وزارة الداخلية في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى الصحة العالمي 2024    أمير القصيم يستقبل نائب مدير الجوازات    السفير الإيراني يزور مجمع طباعة المصحف الشريف    المعلومة بين الحقيقة والوهم    المصارير يتنازلون عن قاتل والدهم لوجه الله تعالى    جامعة الأمير سلطان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يوقعان اتفاقية تعاون مشترك لإنشاء مركز فكر سعودي متخصص في الدبلوماسية العامة    "مفوض الإفتاء في جازان": القران والسنة تحث على تيسير الزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمس
نشر في الحياة يوم 14 - 06 - 2016


سأعيد ترتيب أمس...
لن أمد إليك يداً مرتعشة، وأصافحك بكف غارقة في العرق والتردد.
لن أسمح لكل تلك الأعين في صالة الانتظار أن تقرأ فرحة الطبيب، وربكة الزائرة.
لن أسمح لكفك أن تنسحب بكل تلك السرعة، سأتركها تستريح طويلاً في كف هادئة غير مرتبكة، كانت تنتظر منذ شهر هذه المصافحة، سأترك لأصابعك فرصة الحديث، ولأصابعي فرصة طويلة للإنصات.
سأقول للممرضة لا تشغلي كل عياداتي الأربع، اتركي واحدة فارغة، ستأتي ريم، أدخليها فوراً في الغرفة الفارغة وأخبريني..
لا. لن أقول لها أخبريني، سيعرف قلبي أنك جئت، ويقودني إليك فوراً.
ستكونين وحدك في الغرفة ملكتها المتوجة، وسأدخل وأنا أحاول أن أخبئ ارتباكي وفرحي، ارتباكي وفرحي اللذين لا يخوناني في كل مرة تأتين، هل كنت تقرأينها في كل مرة؟ وهل وقفتك الشاهقة، وابتسامتك الملائكية ويدك الممدودة، وكفك المستريحة في كفي، هل كل ذلك رسل طمأنينة؟ أم أنك أيضاً تدارين فرحك وارتباكك؟!
لا يهم، سنداري ارتباكنا، ولن نخبئ فرحنا.
سيقوله وجهك الذي يتورد، وابتسامتك الخجلى، وكفك المستكينة في كفي.
ستقوله نظراتي التي لا تستقر على وجهك إلا لتفر، وكفي التي لا تريد أن تترك كفك، ولهفتي لأضمك ولكني لا أقوى.
ستقوله الكنبة التي ستضمك نيابة عني، والجهاز الذي سيفرح وأنت تثبتين وجهك في دائرته الصغيرة، وتضعين عينيك في الفتحتين المخصصتين للفحص لأراهما بعين الطبيب من أمام الجهاز، ولكني أبداً لم أرهما بعين الطبيب، كنت دائماً أراهما بعين العاشق: مروجاً خضراء، وغزلاناً مذعورة تركض في كل اتجاه، وفضاءً شاسعاً لبياض لا ينتهي.
آآآآه يا لهذا البياض الناصع الذي يتسرب من عينيك إلى كل روحك، كيف جرؤت في أول زيارة لك وقلت إن هذا البياض الناصع مشرب بحمرة خفيفة لا ترى إلا بهذا الجهاز الدقيق، وإن هذا هو سبب الحرقة التي تشعرين بها، وإنك بحاجة إلى علاج، وإلى مراجعتي مطلع كل شهر لأطمئن، لم أمنحك علاجاً حقيقياً يومها، منحتك قطرة معقمة، وموعداً في مطلع الشهر القادم، وابتسامة صادقة تدعوك فعلاً لزيارة أخرى، هل قرأت نواياي الخفية؟ هل تواطأت معي؟
سنة كاملة وأنت تأتين في موعدك، موعدك الذي أنتظره الشهر كله، أحجز لك غرفة خاصة في العيادة لك وحدك، أضع فيها وروداً حمراء أعرف أنك تحبينها وأعرف أنك تقفين عندها طويلاً قبل أن أجيء، أرتب الكلمات التي سأقولها، والكذبات التي سأخترعها ليكون لك موعد آخر، ومواعيد لا تنتهي، وفي كل مرة تمدين كفك مودعة أتمنى ألا تكون الأخيرة، وأستسلم بشوق ولهفة لمطلع الشهر القادم.
لكنك أمس قلبت كل شيء! جئت قبل موعدك بخمسة أيام، وثلاث ساعات وعشر دقائق.
لم أكن أنتظرك، كنت أحدس أنك ستأتين، ولكني لم أصدق حدسي، لم أصدق نبضات قلبي المتسارعة منذ ساعات الصباح الأولى، لم أصدق خيالك الذي يتراءى لي خلف كل قامة شاهقة عبرت العيادة، لا أحد يشبهك عندي، لذلك لم أصدق خيالك الذي يتراءى لي، حتى وقفتِ أمامي، أمام كل تلك الأعين المتربصة في صالة الانتظار، ومددت يدك، صافحتك بسرعة، من منا سحب كفه أولاً، أنا أم أنت؟
وأمام كل تلك الأعين التي قرأت شهقة الطبيب وربكة الزائرة، قلت بصوت خافت:
- عفواً دكتور، أعرف أنك مشغول، لكني جئت لأودعك، سأسافر إلى أميركا، جاءت الموافقة على البعثة.
- مبروك ألف مبروك، إيميلي معك تواصلي معي وطمنيني عليك.
كأني مخدر، كأنني لست أنا، وقفت في منتصف الصالة، أشيعك بنظراتي، وأنت تخطين آخر خطواتك خارجها بلا أملٍ في العودة، بلا أمل في مطلع الشهر القادم، كان بودي أن أجري خلفك، أن أستوقفك قليلاً أن...
نبهتني الممرضة إلى وقفتي التي طالت، إلى الأعين المتربصة في صالة الانتظار، إلى المريضة المنتظرة في العيادة الرابعة، فسرت خلفها بلا روح...
آآآه من أمس!!
سأعيد ترتيبه اليوم: لن أسمح لك أن تغادري هكذا بلا وداع يليق بك.
سأستوقفك، سأوقف اندفاع اعتذارك، وسرعة الأخبار المتدفقة في حوارك.
سأطلب من الممرضة أن تخلي لك إحدى العيادات فوراً قبل أن تنطقي بأي كلمة.
ستكون خالية من الورود لا بأس لم يكن عندي خبر مجيئك، لم أصدق حدسي، سأضع قلبي باقة حمراء تنوب عن الورد الذي لم أحضره هذه المرة. سأستمع إلى اعتذارك، وأنزعج من خبر البعثة والسفر الذي قد يطول كما يليق بعاشق. لن أقول لك مبروك ولا ألف مبروك لأنني لم أفرح مطلقاً لهذا الخبر.
سأسألك ولماذا لا تكملين دراستك هنا، وتكملين علاجك معي؟
سأطلب منك لآخر مرة أن أبحر في عينيك خارج إطار هذا الجهاز اللعين.
سأقول لك ما عجزت عن قوله طوال تلك السنة الأجمل. سأعترف لك بأن عينيك أجمل عينين في الدنيا، وأنهما أصحّ عينين، وأني كنت أكذب، نعم كنت أكذب لأراك، لأراهما مطلع كل شهر، وأن هذا الموعد هو الذي كان يمنح عيادتي وهجها، ويمنح حياتي بهجتها لأجله كنت أجيء كل يوم، وأنا أدرك أن اليوم الذي يمضي يقربني سريعاً إلى اليوم الذي ستطلين فيه.
سأطلب منك بتوسل مبالغ فيه ألا تذهبي إلى أي طبيب هناك، لأنهما أصح عينين، والأصدق لأنني لا أريد لأحد أن يرى تلك المروج الخضراء، والغزلان المذعورة، وسحائب البياض الشاسعة، لا أريد لأحد أن يراهما كما رأيتهما.
سأطلب من الممرضة أن تخلي العيادة تماماً، تعتذر لهم بأي عذر، وسأستبقيك وحدك.
سأحكي لك قصة حياتي، قصتي مع عينيك.
سأطلب منك أن أضمك قبل أن تغادري، ضمة واحدة فقط، أروي بها عطش الأيام القاحلة الآتية.
سأوقف عقارب الزمن، لن أسمح لأمس أن يتحرك خطوة واحدة قبل مجيئك المباغت، سأعيد ترتيبه كما أريد: لن أمد إليك يداً مرتعشة، وأصافحك بكف غارقة في الخجل.. ولن أسمح لكفك أن تنسحب...
آآآه من أمس، هل يمكن استعادة أمس؟!
* قاص وأكاديمي سعودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.