شهدت الساحة السياسية الفرنسية، وغداة الاستقالة المفاجئة لاثنين من أعضاء الحكومة هما سكرتير الدولة للتعاون آلان جويانديه وسكرتير الدولة المكلف شؤون التخطيط لباريس الكبرى كريستيان بلان، تصعيد التراشق الكلامي بين المعارضة اليسارية واليمين الحاكم. الناطق باسم الحزب الاشتراكي المعارض بنوا هامون سارع الى التصريح بأن «الاستقالتين تدلان على عدم شرعية الحكومة ومواجهتها أزمة عميقة». واضاف أن «الأزمة مردها سلوك أعضاء الفريق الحاكم وتصرفهم، وميل بعضهم الى البذخ والتبذير، في وقت يبذل غالبية الفرنسيين جهوداً للتقشف». في المقابل، اعتبر الناطق باسم «حزب الاتحاد من اجل الحركة الشعبية» الحاكم، دومينيك باييه أن الاستقالتين دليل على نموذجية العاملين في خدمة الجمهورية. وكانت صحيفة «لوكانار انشينيه» النقدية الساخرة، كشفت إنفاق بلان مبلغ 12 ألف يورو من الموازنة لشراء سيجار كوبي، وهو ما نفاه بلان واصفاً الإجراء بأنه «اقتصاص من دون أدلة»، كما أفادت بأن جويانديه استأجر طائرة خاصة بمبلغ 116 ألف يورو من أجل الانتقال الى جزيرة مارتينيك للمشاركة في مؤتمر حول إعادة إعمار هايتي في آذار (مارس) الماضي. وعادت الصحيفة لتكشف عن عملية تلاعب أقدم عليها جويانديه للحصول على رخصة لتوسيع فيلا يملكها في جنوبفرنسا، وقضايا مماثلة طاولت وزراء حاليين بينهم وزير العمل اريك فورت. وفي ظل القضايا المتتالية التي تعيش فرنسا منذ مدة على وقعها، ووسط النقاش المحتدم حول إصلاح قانون التقاعد والخطط المعتمدة لتقليص الهدر في الوزارات والإدارات الرسمية، حيث الشبهات حول تناقض مهمات المنصب الذي يتولاه فورت ودور زوجته في إطار علاقتهما بإحدى أثرى نساء فرنسا ليليان بيتانكور، وريثة امبراطورية «لوريال» لمستحضرات التجميل، الزيت على النار. فالحديث عن الفساد والمحسوبية ومطالبة المواطنين بشد الأحزمة والتحلي بالصبر، فيما يمضي أفراد من الطقم الحاكم في الإسراف والاستفادة الشخصية أصبح يومياً في الوسطين الإعلامي والشعبي الفرنسيين. وعلى رغم ذلك، أكد الرئيس نيكولا ساركوزي الأربعاء الماضي أنه لن يجري أي تعديل حكومي تحت وطأة الضغط، وأن الموضوع مؤجل الى الخريف المقبل. وبدا واضحاً من خلال هذا الموقف أن المهم بالنسبة الى ساركوزي ليس الخوض في تفاصيل تغيير أو تعديل حكومي، بل التركيز على استحقاق إصلاح قانون التقاعد، وأن الضوضاء حول سلوك هذا الوزير أو ذاك ستهدأ بمرور الأيام. لكن الضوضاء تصاعدت بسبب المعلومات المتتالية التي أوردها الإعلام الفرنسي حول احتمال مساعدة زوجة فورت التي تولت إدارة ثروة بتيانكور، في تهريب جزء منها الى الخارج، واحتمال تغاضي فورت عن ذلك أثناء توليه منصب وزير الموازنة. ووسط هذه الأجواء المحتدمة، أوحت استقالة كل من جويانديه وبلان بأنه جرى التضحية بهما على أمل تنفيس الأوضاع والإبقاء على فورت الذي يعدُّ لتطبيق إحدى أهم الخطة الإصلاحية في منصبه. لكن ليس من المؤكد أن تكفي هاتين الاستقالتين لإعادة تجميل الصورة السيئة للفريق الحاكم والتي باتت راسخة لدى الفرنسيين، إذ افاد استطلاع للرأي نشرته صحيفة «ليبراسيون» بأن 64 في المئة من المواطنين يعتبرون أن حكامهم فاسدون.